يشكل العنف ضد المرأة انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، وشكلاً من أشكال العلاقات غير المتكافئة ما بين الرجل والمرأة في المجتمع. تعتبر ظاهرة العنف ظاهرة عالمية الانتشار، إلا أنها قد تختلف من حيث الحجم والشكل من مكان وزمان إلى آخر.
الإطار القانوني
نص الدستور المصري لعام 2014 على المساواة (مادة 11 ومادة 53) وعدم التمييز وتكافؤ الفرص (مادة 9). وتعتبر المادة 11 من الدستور المادة الوحيدة التي تشير إلى العنف ضد المرأة صراحة: "...وتلتزم الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل. كما تلتزم بتوفير الرعاية والحماية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة والنساء الأشد احتياجاً." وتنص المادة 11 أيضا على ضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً في المجالس النيابية والمساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. في المقابل، فإن المادة 53 تمنع التمييز على أساس النوع الاجتماعي وتحمل الدولة مسؤولية اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمكافحة كافة أشكال التمييز.
قامت مصر بالتصديق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة مع التحفظ على المادة 16 من الاتفاقية بخصوص الأسرة، في حين تم رفع التحفظ مؤخراً على المادة 9 من الاتفاقية حول حق المرأة في منح الجنسية لأطفالها. كما قامت مصر بالتصديق على قرار مجلس الأمن 1325 حول المرأة في الصراع ووقعت على اتفاقية روما، ولكنها لم تصدق عليها، في حين لم تقم بالتوقيع أو التصديق على اتفاقية اسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة.
تعد مواد قانون العقوبات الخاصة بالاغتصاب والاعتداء الجنسي والتحرش (المواد 267 و268 و269 و289) قاصرة في شكلها الحالي ولا تعالج ظاهرتي الاعتداء الجنسي والاغتصاب. فعلى سبيل المثال، تختزل المادة 267 من قانون العقوبات بشكلها الحالي تعريف الاغتصاب على أنه إيلاج العضو الذكر في المهبل ولا يشمل الاغتصاب بالأصابع أو الأدوات أو الآلات الحادة، ولا يشمل الاغتصاب الفموي أو الشرجي. وتحدد المادة 268 من قانون العقوبات الشكلين الأخيرين للاغتصاب بأنه "هتك عرض". في حين أن التعديل الأخير لقانون العقوبات عرف التحرش الجنسي في المادة 306، والمعروف باسم قانون التحرش، إلا أن هذا التعديل غير كاف كونه لا يعترف بجريمة التحرش الجنسي إلا حين يكون غرض الجاني في الحصول على منفعة جنسية مثبتاً. تم تعيين فريق عمل مكون من عدة منظمات حقوقية في عام 2010 وبدأ العمل على كتابة مسودة تعديلات قانونية تشمل جرائم العنف الجنسي في قانون العقوبات قدمت هذه المسودة إلى الحكومات المتعاقبة في 2010 وفي أغسطس 2013، دون أن يتم مناقشتها في أي من الحالتين.
العنف ضد المرأة في مجال الحياة الخاصة مقبول على نطاق واسع ولم تبذل الحكومة حتى الآن أي جهد لمناهضة العنف الأسري ضد المرأة. بل على العكس، يمكن استخدام العديد من مواد قانون العقوبات للتقليل من شأن العنف الأسري وحتى تبريره. فعلى سبيل المثال، تُمكن المادة 17 من تخفيف العقوبة كشكل من أشكال الرأفة في حالات الاغتصاب وما يعرف بجرائم الشرف. بالإضافة إلى ذلك، تعزز المادة 60 من قانون العقوبات الحصانة من العقوبة في حالات العنف الأسري حيث يُمنح الجاني الرأفة إذا أثبت أن ما ارتكبه كان "بنية سليمة". وعليه يمكن استخدام هذه المادة لتبرير العنف الأسري على أنه حق الزوج في تأديب زوجته ولتبرير جرائم الشرف. علاوة على ذلك، فإن الاغتصاب الزوجي غير معترف به في قانون العقوبات.
بالرغم من تجريم ختان الإناث في عام 2008 بموجب المادة 242 من قانون العقوبات، إلا أن المادة تشير إلى المادة 61 من نفس القانون والتي تبيح الأفعال المؤذية في حالات الضرورة لحماية النفس أو الغير، وبالتالي تخلق ثغرة قانونية يمكن استخدامها لتبرير ختان الإناث. وبالتالي تستخدم الضرورة الطبية كسبب لإجراء هذه العملية. وعليه، أصبح ختان الإناث مباحاً طبياً بدلاً من مكافحته وتجريمه كلياً. تم الإبلاغ عن حالة ختان واحدة، وبالرغم من وفاة المجني عليها إلا أن الجناة حصلوا على البراءة. إضافة إلى ذلك، رغم أن الاتجار بالنساء مجرم قانوناً بالإشارة إلى قانون 64 لسنة 2010، إلا أن القانون لا يحتوي على تعريف واضح له.
تم الإعلان عن إستراتيجية وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة في يونيو 2014 من قبل المجلس القومي للمرأة بالشراكة مع عدة وزارات. تتضمن الإستراتيجية الثلاثية المنع والحماية والتدخل كما تتضمن حملات توعية وإعادة تأهيل للجناة والضحايا. بالرغم من ذلك، كانت عملية صياغة الإستراتيجية غير شفافة، ولم تنفذ بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية التي تدعوا إلى مثل هذه الإستراتيجية. وعلاوة على ذلك، فالمجلس القومي للمرأة لم يأخذ بعين الاعتبار التوصيات والأفكار من المنظمات النسوية. وتتضمن تلك التوصيات الحاجة إلى إستراتيجية وطنية شاملة متعددة القطاعات تشمل التعاون والالتزام من عدة وزارات منها وزارة الداخلية، وزارة العدل، وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم. وتدعو المنظمات الحقوقية النسوية إلى إصدار خطة عمل واضحة للتعامل مع حالات العنف ضد النساء وتدريب أفراد الهيئة القضائية والأخصائيين الاجتماعيين والعاملين بالصحة. ليس هناك تنسيق بين هذه الجهات المختلفة حالياً. بالإضافة إلى إجراء دراسة من شأنها أن تمكن عملية وضع ميزانية جندرية ناجحة لضمان توفير الأدوات والعلاج الطبي للناجيات من العنف، وتخصيص الملاجئ التي تقدم الخدمات الطبية والمشورة لهن. من غير المعلوم حالياً أي نسبة أو مبلغ من الميزانية العامة تم تخصيصها، إن وجدت، لمكافحة العنف ضد المرأة. لا توجد إحصائيات دورية رسمية عن العنف ضد المرأة ولكن المجلس القومي للمرأة قام بإعداد دراسة عن ظاهرة العنف ضد المرأة في مصر في عام 2009، كما أوضح تقرير للأمم المتحدة لعام 2013 أوضح أن 99% من النساء في مصر قد تعرضن للتحرش الجنسي وأن من 90% إلى 95% منهن عانين من ختان الإناث. قليلة هي المواد التعليمية عن مفاهيم المساواة بين الجنسين والحاجة إلى الاحترام المتبادل، ولا تشمل مفاهيم محددة وواضحة لوقف العنف ضد المرأة. وعلاوة على ذلك، فإن المواد تُدرس من منظور ثقافي بدلاً من منظور حقوق الإنسان. ليس هناك تدريب للتعامل مع حالات العنف ضد المرأة للشرطة أو القضاء أو المحاميين أو العاملين في مجال الصحة أو الأخصائيين الاجتماعيين. يمثل افتقار العاملين في مجال الطب الشرعي عائقاً عند التعامل مع ضحايا العنف الجنسي ما يؤدي إلى ضياع الأدلة وعدم توفير موانع حمل طارئة في حالات الاغتصاب. على نحو مشابه، من شأن عدم تدريب المشرعين والنيابة ومنفذي الأحكام حول الأمور المتعلقة بالعنف ضد المرأة أن يقوض إمكانية المرأة المعنفة في اللجوء إلى القضاء. تعمل الحكومة المصرية حالياً على تقديم هذا التدريب ولكنها غير خبيرة أو عالمة به كما ترفض مشاركة منظمات المجتمع المدني الخبيرة في هذا المجال.
لا توجد رسمياً حملات حكومية لمكافحة العنف ضد المرأة، ولكن على مستوى المجتمع المدني، هناك العديد من الحملات المنظمة التي تهدف إلى وقف العنف ضد المرأة في العديد من المجالات، ومؤخراً، بذلت جهود لوقف حالات الاعتداء والاغتصاب الجماعية التي تعرضت لها النساء خلال المظاهرات السلمية. غالبا ما تستهدف هذه الحملات الناجيات من العنف والعامة.
ثمة تسعة ملاجئ للنساء المعنفات تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، وتخضع لإشراف الوزارة. ومع ذلك، فإن جهودهم شحيحة ومحدودة ولا تأخذ بعين الاعتبار ظاهرة وثقافة التمييز والعنف ضد المرأة، عداك عن عدم تدريب العاملين بالملاجئ بشكل جيد بمسألة العنف القائم على أساس الجنس. تشرف الحكومة المصرية على الملاجئ ولكنها تعاني من نقص الموارد والالتزام بحماية النساء. لذلك، فإن تشغيل الملاجئ الموجودة يتم من قبل المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني الممول معظمها من التعاون الثنائي. عادة ما يكون من الصعب على المنظمات غير الحكومية إنشاء الملاجئ للنساء المعنفات نظراً لأوضاعها الأمنية المعقدة. توفر بعض المنظمات النسائية الخدمات وبرامج التوعية فضلاً عن تقديم الدعم القانوني والنفسي للنساء المعنفات، ولكن هذه الخدمات لا تفي بالحاجة لافتقار البلاد إلى مؤسسات حقيقية لبناء نظام فعال لتوفير الخدمات للنساء المعنفات. ليس ثمة أوامر حظر طوارئ أو حماية أو تقييد تسمح للسلطات بأمر مرتكبي العنف المنزلي إلى ترك أو البقاء بعيدا عن الضحية.
فشلت الحكومة المصرية في معالجة حقوق الناجيات من العنف وحمايتهن بعد الإبلاغ عن الجريمة. من حيث المبدأ، يحق للمرأة رفع شكوى قضائية في حالة تعرضها للعنف القائم على أساس الجنس، إلا أنه غالباً ما تُعطل القضايا سواء من قبل الشرطة أو من قبل المدعي العام. كما أن شهادة المرأة تساوي شهادة الرجل أمام كافة المحاكم إلا أمام محكمة الأحوال الشخصية حيث تساوي شهادتها نصف شهادة الرجل. هناك العديد من حالات العنف ضد المرأة ارتكبتها أطراف تنتمي إلى الدولة يتم إنكارها من قبل الحكومة والمجلس القومي للمرأة، وبالتالي تمتنع النساء عن التقدم بشكاوى لأي جهة قضائية لتمتع الجاني بالحصانة. كما يعد استهداف المدافعات عن حقوق الإنسان والناشطات جزء من محاولات الحكومات المتعاقبة لطرد النساء من المجال العام. تشمل الانتهاكات الموثقة التي ارتكبت ضد المدافعات عن حقوق الإنسان الاحتجاز التعسفي والضرب والسجن ومحاولات الخنق والاعتداء الجنسي والعنف لتجريد النساء من ملابسهن، تهديدهن بالاغتصاب أثناء الاعتقال والشتائم ذات الطابع الجنسي. وإذا ما قررت الضحية سحب شكواها يمكن للقاضي نظرياً استكمال القضية. ولكن غالباً ما يتم حفظ أو تأجيل هذه القضايا على نحو مستمر أو حتى حفظها إداريا. وفقاً للقانون، يحق كل فرد أن يمثل أمام القضاء بوجود محامي وفي حالة عدم وجود محام تلزم النيابة بتوفيره لهذا الفرد. وهذا يحدث بالفعل ولكن على نحو غير فعال، ولذلك توفر العديد من المنظمات غير الحكومية خدمات مساندة قانونية مجانية للنساء. يتم التعامل مع ضحايا العنف من النساء عموما على قدم المساواة مع غيرها من الجرائم في مراكز الشرطة. ومع ذلك، يعانين من الوصم الاجتماعي، وخاصة ضحايا الاغتصاب. كما لا يمكن للمرأة أن تشهد دون مواجهة المعتدي عليها، وذلك للتعرف عليه.