يقع الكتاب على 432 صفحة ويتحدث عن مفهوم الإنتحار للكاتبة "ريدفيلد جاميسون" وهي من أشهر الباحثين النفسيين في مرض الكآبة وإضطرابات السلوك. ليس سهلاً قراءة كتاب يتحدث عن الإنتحار، هذا العالم المظلم عميق المعاناة لمن ينتحر ولعائلته واصدقائه؛ ولكن ما دفعني لقراءة هذا الكتاب ثم الكتابة عنه هو أن ظاهرة الإنتحار لم تعد تقتصر على العالم الغربي ولكنها إمتدت أيضاُ للعالم العربي وهو قد يحدث لأشخاص نعرفهم ونحبهم ونفتقد وجودهم وليس فقط للغرباء هناك في مكانٍ ما مجهول. ما يميز هذا الكتاب هو أن الكاتبة نفسها كانت تعاني من إضطرابات نفسية وحاولت الإنتحار لذا فهي تصف بدقة علمية الحالة النفسية والعقلية لمن يريد الإنتحار. هذا المقال دعوة لفهم ما يمر بها من يفكر بالإنتحار، ودعوة لأن نكون أكثر تعاطفاً وقرباً وإصغائاً للسمع لمن يعاني من حولنا ويقول صمته أكثر مما تقول كلماته.
تتحدث الكاتبة عن هذه الحالة عبر الدخول لعالم المنتحر، عبر قراءة الملاحظات والمذكرات التي دونها عن نفسه، والتي يظهر من خلالها شعوره بالدونية واليأس، بالرغبة بالهروب وعدم القدرة على مواجهة الحياة أو الجنون. قد يكون التفكير بالإنتحار أو الإقدام عليه بسبب إضطربات سلوكية وعقلية من ضمنها الإدمان، التوتر الشديد، إضطرابات الشخصية والشيزوفرانيا، الأمراض المزمنة.
في كل فصل من الكتاب يحتاج القاريء لفترة إستراحة من شدة الألم الذي تتحدث عنه الكاتبة ويعاني منه المنتحر؛ الكاتبة تبدأ كتابها كأنها تريد كتابة رواية، فتصف مقابلة لها مع صديق يعاني من الكآبة ويفكر بالإنتحار وتتفق معه على ألا ينتحرا وأن يتمسكا بالحياة ويعلما تماماً بأنهما يسخرا من نفسيهما؛ ولكن صديقها أنهى حياته وهي استطاعت المقاومة والإستمرار في الحياة.
تقول الكاتبة بأن الإنتحار ليس تصرف نقوم به في ليلة سوداء ولا قرار نتخذه في لحظة من الوضوح بل هو نتيجة ليأس لا يمكن تخيله ( لن أتغلب على هذا أبداً) تُعطي الكاتبة مثال على هذا اليأس بإنتحار الكاتبة فرجينيا وولف والتي كتبت لزوجها قبل إنتحارها ما يلي:
" أعرف بأنني لن أتغلب على هذا أبداً، وأنا اضيع حياتك معي...تستطيع أن تعمل وتكون أفضل كثيراً بدوني"
ثم تتطرق إلى حالة بعض المرضى النفسيين الذين لا تتم معالجتهم بشكل جيد وتنتهي حياتهم بالإنتحار وهي بذلك تُلقي الضوء على ضرورة إهتمام المحيط الأسري بالحالة المرضية وتزويدها بالمعلومات اللازمة حول نتائج بعض الأمراض العقلية أو النفسية.
" جين الإنتحارGene”
لا يوجد إثبات بأن الرغبة بالإنتحار قد تتواجد في الجينات الوراثية، ولكن ومن خلال الدراسات والأبحاث أتضح بأن العائلات التي تتعرض للإنتحار أو التي تتأثر بسلوك عائلات أخرى قد تجد أن الإنتحار طريقة لحل المشاكل وقد يكون ذالك جينياً حين يترافق ذلك مع الإضطرابات السلوكية والأمراض النفسية.
تسجل الكاتبة ترافق الإنتحار مع الإندفاع والعدائية وإرتفاع مستوى السوائل في الدماغ والأعصاب. وأن السلوك الإنتحاري قد يكون بسبب مرض عضوي أو حرمان من النوم أو تناول نوع من الأدوية أو ضغوط خارجية تقود للإنتحار؛ ويتجة سلوك المنتحر للهدوء التام حين يتخذ قراره بالإنتحار .
هل يمكن إعتبار الإنتحار ( خيار حياة) مثل أن يقرر الانسان الزواج أو الطلاق؟ يُجيب الكاتبة وبموقف صلب أن ذلك مسؤولية الأطباء والمعالجين النفسانيين أن يفعلوا كل ما بوسعهم لمنع المريض من إتخاذ مثل هذا الخيار؛ وتقول التالي: " نحن كمجتمع فشلنا في التعامل بطريقة متسامحة وعلمية مع أمراص عقلية خطيرة مثل الإنتحار والإدمان؛ وأن أغلب المنتحرين قد قابلوا اطبائهم قبل فترة من إقدامهم على الإنتحار؛ الإعلام والقانون كذلك مسؤولين بهذا الخصوص. بالنظر إلى أعداد المنتحرين والمعاناة المترافقة مع ذلك؛ ورغم غزارة العلم ونجاح الحكومات إلا أنه هناك حقيقة فظيعة وهي حقيقة موت الشباب، الموت العنيف وغير الضروري" وتعتبر الكاتبة بأن الإنتحار وباء لا يتم الحديث عنه وذلك لإرتفاع عدد ضحاياه من سنة لأخرى وإرتفاع عدد من يحاولون الإنتحار ويفشلون.
وفي مقال صادر عن منظمة الصحة العالمية((HelpGuide.orgيتحدث المقال بأن حوالي مليون شخص يموتون منتحرين سنوياً. ولابد من أخذ التهديد بالإنتحار على محمل الجد كذلك النكات والتلميحات حول ذلك.
حول علامات الغبة بالإنتحار:
- الكتابة عن الموت أو قتل النفس.
- اليأس أحد العلامات الخطيرة.
- تغييرات جذرية في الشخصية والنشاطات.
- إهمال في المظهر الخارجي.
- تغيرات في عادات الأكل والنوم.
- الإنسحاب من إجتماع الأهل والأصدقاء والعزلة.
- الهدوء أو السعادة بعد كآبة حادة بسبب إتخاذ القرار بالإنتحار.
مهما كانت اسباب الانتحار يبقى الوازع الديني من أقوى اسباب البقاء في الحياة ، ولكن في ظل المتغيرات والضغوطات المعاصرة قد لا تكون المناعة الدينية متوفرة لدى كل الأشخاص لذا فمن واجب كل أسرة أن تُجنبَ ابناءها متابعة البرامج والمسلسلات التي تجد في الإنتحار وسيلة للهروب من مشكلة ما أو اعتباره ظاهرة رومانسية لأن الانتحار ظاهرة مُعدية . لابد من النظر للإنتحار ليس فقط من الزاوية الدينية التي يعرف الجميع فحواها بل يمكن أن يكون مرض عقلي أو نفسي لا يستطيع المريض نفسه أن يعبر عنه ولا يلاحظه من حوله ، وبغض النظر عن الرأي الديني والإجتماعي يبقى الإنتحار من أشد الحالات الإنسانية ألماً سواء للمنتحر أو لمن حوله. ولكن الإنتحار الذي يُثير الدهشة هو انتحار الأغنياء والمشاهير الذين تبدو حياتهم كأحلام محلقة في فضاء الفقير أو المحروم ، هذا النوع من الإنتحار يثبت بلا شك بأن الإيمان فقط هو ما يمنح الانسان الجذور والقمم السامقة لحب الحياة والتمسك بها .