منذ فجر التاريخ يستمد الناس إلهامهم من قصص نجاح هؤلاء الأشخاص الذين تغلبوا على الألم واليأس فخلد التاريخ أسماءهم.
أتحدث عن علماء ومصلحين اجتماعيين وقادة، وحتى مواطنين عاديين، الدارس لحياتهم سوف يكتشف أن وراء نجاحاتهم أسرارا كثيرة، قد لا يكون ذكاؤهم أو قوة شخصياتهم أو ما حصلوا عليه من دعم، قد يكون التفاؤل وقدرتهم على طرد شبح التشاؤم ومقاومة ظروفهم القاسية والانطلاق برحابة والعمل بجدية من دون تردد أو خوف مسخرين ما يملكون من تفكير وعلم لتجاوز الصعاب والعقبات التي قد تحد من تقدمهم. ولعلي لا أبالغ إن قلت أن هذا هو السبب الرئيس في النجاح والتميز.
هيلين كيلير تلك الفتاة العمياء والصماء التي نردد اسمها كمثال للصمود والإرادة متعجبين من السر الذي دفعها لمواجهة كل الصعاب من أجل تحقيق أحلامها، هي واحدة من أبرز الأمثلة في هذا الصدد، بعد عام واحد من ولادتها فقدت حاستي السمع والبصر بسبب حمى واعتقد الأطباء أن لا فرصة لها في الحياة، لكنها عاشت لتكتب لنا في كتابها "قصة حياتي العجيبة": " في طفولتي كانتا يدي تتحسسان كل شيء وتستشعران كل حركة وبهذه الكيفية أمكنني أن أتعلم كثير من الأشياء".
المذهل في حياة هيلين هو شغفها بالتعلم وإصرارها على ذلك، فقد أرادت في طفولتها أن تذهب إلى المدرسة وتنافس الأصحاء من أجل تحقيق حلمها بمواصلة تعليمها العالي في جامعة مرموقة والحصول على أعلى الشهادات، ولم يجد أهلها سبيلاً لإثنائها عن ذلك، والتحقت بمدرسة كمبردج، و أظهرت تميزاً وتفوقاً في مدرستها، كانت تؤدي امتحاناتها عن طريق الآلة الكاتبة في قاعة منفردة كي لا تزعج الطلاب الآخرين وتؤثر على أداءهم.
غني عن القول أنها كانت تواجه صعوبات بالغة في استذكار الدروس ومراجعتها لأن المناهج الدراسية وقتها كانت مصممة لطلاب عاديين، لذا كانت تعتمد على كتب "برايل" التي كانت تتأخر في الوصول إليها دائماً.
وليست هذه المعضلة الوحيدة التي اعترضتها؛ فالكتابة عن طريق برايل تتم وفق نظامين نظام انجليزي وآخر أمريكي، وكانت هيلين قد تعلمت على النظام الإنجليزي وفي أحد اختباراتها للقبول في كلية رادكليف -وهي الكلية التي أرادت أن تكمل تعليمها العالي فيها-فوجئت أن النظام الأمريكي بات مستخدماً في أوراق الامتحانات قبل تأديتها لهذا الاختبار بساعات قليلة، ومع ذلك تجاوزت الاختبار بنجاح باهر وقد كان في مادة الجبر!
بعد كل هذا، استطاعت أن تحقق ما حلمت به، تقول في كتابها: "بالرغم من صعوبة الامتحانات الشديدة بالنسبة لي كانت معنوياتي مرتفعة وتولدت لدي القناعة بأني تمكنت حقاً من قهر كل الصعوبات وبالفعل تحقق أملي العظيم في نهاية المطاف وأصبح بمقدوري الالتحاق بكلية رادكليف!" لقد قالت لنا هيلين السر الذي يكمن وراء كل قصة نجاح، إنها المعنويات المرتفعة والتفاؤل، إن التفكير الإيجابي ليس شيئا مثالياً يصعب تحقيقه، والإحساس بالرضا والقناعة ليس مجرد شعار نرفعه، إنه إحساس نتحلى به عندما نقرر ذلك، فيقودنا إلى النجاح في عالم يموج ويتحرك بشكل دائم.