كثيراً ما نسمع مفردة النمو، والتي تشير لمعانٍ عدة منها النمو السكاني، النمو الاقتصادي، النمو المالي، النمو العمراني، وغيرها كثير.
أيضاً نقرأ ونسمع عن مجتمعات تحقق نمواً متزايداً في مجالات عدة تنموية من الاقتصاد إلى الأعمال والبناء والعمران، لكننا في المقابل لا نسمع عن النمو المعرفي، أو النمو الأخلاقي، بمعنى أن القيم والعلوم لا نسمع حديثاً عنها يتوازى، ويتماشى مع الاهتمام بالجوانب المادية التي يصدر عنها تقارير أسبوعية وشهرية وسنوية وقياس للمعدلات، ونسبة الارتفاع والانخفاض.
أدرك تماماً أن القيم والعلوم لا يمكن التعامل معها بالطريقة نفسها، ولا يمكن وضع قياسات لها مشابهة لما في الاقتصاد وأسواق المال، لأنها مختلفة كلياً وطبيعتها ووظيفتها أيضاً مختلفة، لكنني أقصد وأشير للاهتمام والعناية والمتابعة، بل والتطوير في الأساليب وكيفية التعاطي.
كذلك أدرك أن النمو المعرفي والاهتمام بالعلوم قد يأتي من تعليم قوي تم فيه توفير مزايا حيوية من الإمكانات البشرية المدربة، وأيضاً من المعدات والوسائل المساعدة لإنجاحه، والقيام برسالته على أكمل وجه.
ورغم هذا فإننا وكما نلاحظ تفتقر كثير من الدول لمثل هذا التعليم النموذجي، أو حتى التعليم المنظم، وتبعاً لهذه الحالة، فإن نشر المعرفة الخلاقة العميقة التي تثري الإنسان، وترتقي به وبفكره تصبح متواضعة، بل تصبح معدومة، فينشأ إنسان هذه المجتمعات بعيداً بشكل تام عن القيم الحديثة للإنسانية وتصبح تطلعاته ورؤيته للمستقبل أكثر تواضعاً وبساطة، ورغم هذا لو سألته ما الذي ينقصك؟ لأجابك دون تردد، أو تلعثم الذي ينقصني المال، وهذا يكاد يكون هماً عاماً لدى الكثير، حيث قد تجد رجلاً، أو امرأة أمية لا تجيد القراءة والكتابة في هذا العصر المتوهج بالحركة، لكنها ورغم هذا لا تفهم سوى الحاجة إلى المال، ولا تفهم الحاجة للعلم والمعرفة، بل يجهل أثرها العميق على حياته بأسرها، لأن الأثر الذي يريده هو الذي يشعر به، وهو المال الذي بواسطته يجلب الخبز والغذاء له ولأطفاله.
في تلك المجتمعات التي تنعدم فيها فرص الحياة القويمة لا تحدث ذلك الإنسان عن ترف العلم وجوهر المعرفة، إنما حدثه عن طعم العسل، وصفاء الماء، ووفرة القمح. لأن هذه حاجته الآنية الحالية، فمن ضمن الأمور العديدة التي يجهلها، ولا يعلمها أن المعرفة ستجلب له كل هذا وأكثر، من هنا يأتي السؤال: من منا أخذ على عاتقه هذه الرسالة؟ وهي أن ينشر المعارف والعلوم، خصوصاً بين من يحتاجها.