ينظم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية يوم الثلاثاء المقبل 19 مايو الساعة السابعة مساء ندوة لمناقشة رواية 'برتقال مر' للأديبة اللبنانية بسمة الخطيب. يناقش الرواية الناقدان د.محمد عبد الحميد خليفة وأميرة عبد الشافي. ويدير الندوة الأديب منير عتيبة المشرف علي مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية.
تحاول بسمة الخطيب في تجربتها الروائية الأولي أن تعبر عن واقع المرأة اللبنانية في الطبقات الفقيرة والمتوسطة في الهوامش الحضرية والأرياف، متخذة من عالم الطبخ الذي هو عالم المرأة وسيلة فنية للتعبير عن حياة تموج بالمتناقضات والصراعات علي مستويات عدة.
تقول بسمة الخطيب: كنتُ واحدة منهم، ولكن في الطريق، تحوّلت تجربة الكتابة لأجل الشفاء إلي تحدّ جديد، إذ تواجَهت مع مأزقها الخاص، خاضَت معركة هويتها، من خلالي وفوق مسرح حياتي الشخصية لا الافتراضية أو المتخيّلة، صارت إحدي أزماتي، وكان عليّ أن أختار بين تركها والعودة بأقلّ خسائر ممكنة، أو المتابعة والمقامرة بالكثير مما انتزعتُه عنوة وبجهد مهول لنفسي. يد واحدة لا تصفّق، لكنها قد تكتب عن التصفيق. الكتابة عما ينقصنا ليست تعويضاً، من يقول هذا شاعري متوهّم أو مدّع، وليست تحدّياً له، بل اعترافاً صريحاً: نعم ينقصني شيء ولكني لن آخذه مقابل خسارة موازية، سأتحدّث عنه وأكتب عنه لأثبت أنني لا أكتمل إلا بما ينقصني. فهو يجعل أشياء أخري تفيض عنّي وتميّزني وتجعلني ما أنا عليه. لولا هذا النقص لما عثرَت الكتابةُ عليّ أثناء فراري بحثاً عن نفسي. صحيح أنّ الكتابة الأدبية لعبة فنّية، ولكنّها ليست آمنة أو مرحة، بل هي لعبة خطرة ومؤذية، لأنها ترتكز إلي الخيال وتنبع من التمرّد، فكلّ كاتب هو متمرّد علي شيء ما وربما كلّ شيء. يقود التمرّدُ إلي تأجيج الخيال واستغلال مساحاته الخصبة لأجل خلق واقع آخر مختلف وحياة بديلة، تكمن خطورتها هنا، فنحن نعرف أو سمعنا عن كتّاب كثيرين، بعد اكتمال أعمالهم الروائية، تعسّر عليهم الخروج من فلكها، بل هي زادت الهوّة بينهم وبين واقعهم. فهم حين يجتهدون لإقناع القارئ بعالم روايتهم المختلق ذاك، يقعون في شراك هذه القناعة، التي تتحوّل عندهم إلي إيمان. سمعنا عن غرقهم في الكآبة ومسعاهم للانتحار بل وانتحار كثيرين منهم وجنون آخرين.. منذ عام 2002، حين نشرت مجلة الآداب أول قصة قصيرة للطالبة الهاوية التي كنتها، مروراً بمجموعتين قصصيتين وخمسة كتب للأطفال ومسلسلات وصولاً إلي رواية 'برتقال مر' عن 'دا ر الآداب'، استغرق الأمر 13 عاماً لتكتشف المراهقةُ التي صارت بعيدة عني الآن، أنّ ما ظنّته خلاصاً ليس كذلك، وما يقال عن أنّ الأدب يقي من التعاسة ليس دقيقاً، العمل الإبداعي فعل مؤلم نقوم به بشغف، إثم نقترفه بكلّ رضا.. وهو أيضاً 'عبودية مختارة بحرية' كما يقول يوسا.
تقول د.هويدا صالح عن الرواية: تحاول الساردة عبر الحكي واستعادة تفاصيل الماضي أن تتخلص من قسوته من ناحية وأن تحتمي بلحظات السعادة فيه من ناحية أخري، وعبر أحلام اليقظة وأحلام النوم تحاول أن تصنع مسارا مغايرا لذاتها:' لا شك سأتحوّل الي حورية ذات يوم، وسأغطس نحو عالم أفضل وأرحب، وإلا لن تكون عدالة في هذا العالم ولن تكون جدوي للحياة نفسها'' ص37'
ورغم تشتت وعي البطلة، ورغبتها في تغيير الماضي حينا، وفي الرجوع إليه بكل تفاصيله حينا آخر إلا أن صوت الكاتبة يظهر في نهاية النص، ليؤكد للقارئ أن بطلتها ربما تستطيع أن تغفر للماضي وتطلق عقاله، تدعه يذهب وتتطلع إلي المستقبل:' لا جدوي من ان تتمني تغيير الماضي، لكن قد يمكنها صنع القادم من الأيام؟ لماذا لا تكون لها طفلة تلبسها الجوارب والفساتين، وتسرّح شعرها بحنان وتحكي لها حكايات لها نهايات سعيدة'' ص292'.
وتقول د.يمني العيد: تربط الراوية 'بسمة الخطيب' بين عشقها للشاب الذي كان يودّ الزواج من خالتها، الجميلة، فاطمة وبين عشقها للطبخ. أو، وبمعني أعمّ وأعمق، تربط بين الحبّ وبين تحضير الطعام، فـ 'الطبخ والحبّ ليسا شيئيْن مختلفيْن، لأنّ نتيجتهما واحدة وباعثهما واحد.حين تطبخ تقوم بفعل حب، وحين تحب تفكّر في أن تطبخ لحبيبك.' 'ص١٩٣'. إنَّ الطبخ كما الحبّ فعلُ عطاءٍ يتبادله طرفان، ويعبّر عن رقيّ لمعني العلاقة بين الذكر والأنثي. رقيّ نجد له، حسب الراوية، مثالاً في المسلسلات الأميركيّة حين يدعو الحبيب حبيبته للعشاء في منزله، ويعدّ لها أكثر ما يبرع فيه. كلّ ما ترويه الراوية تجعله الكاتبة يحمل أكثر من معناه.. يتألقّ السرد بدلالاته الثريّة، يجنح إلي الإيحاء بحلم، حلم تصبو إلي تحقيقه الراوية، وتحكي عن سبل وصولها إليه، بدءاً من قبولها لذاتها الأنثويّة انتهاءً بالعمل علي إعادة صياغتها.
من أجواء الرواية: ' مغمضة العينين، أمدّ أصابع يدي اليمني وأتحسّس ندبتي. لا تزال هنا، لها الشكل نفسه، والعمق نفسه، والألم نفسه. لكنّها كبرت معي، تمدّدت مع نمو مساحة جلدي واستوعبت الزمن، كما لم أفعل.
قلّة يعرفون أنّ في رقبتي ندبة. عليّ أن أرفع رأسي وشعري كي تظهر بوضوح. حين أخرج من البيت أتعمّد إخفاءها، ليس خجلاً بها فقط، بل استياءً من استعادة حكايتها.
تعرفها نسوة الحيّ وبعض الأقارب، وذلك أّني أهتمّ كثيراً بإخفاء شعري تحت المنديل المنزلي المزركش، لأجل النظافة وكرهاً في رؤية الشعر متناثراً في البيت، والمطبخ تحديداً، وأيضاً لأنّني كنت أشعر بعبء شعري فوق وجهي ورقبتي، لذا كنتُ أرفع رأسي وأحزم شعري تحت المنديل مراراً، فيري المقرّبون نُدبتي التي تُشبه أثر أفعي بعيدة فوق الرمال.
'من شو؟ وقعة؟ أو ضربة منجل؟' يسألونني.
كنتُ أحكي بإسهاب، ثم صرتُ أتألّم من التفاصيل، ويؤلمني أكثر ما لا أقوله، إخفاء شغفي بمن خاط الندبة ولامس ما هو أعمق من جرح سطحي.
لاحقاً صرتُ أقول بإيجاز، كأنّ القصّة بسيطة فعلاً: كنتُ أمسك عصفوراً عند حافّة الشرفة، طار العصفور فلحقتُ به، ووقعت. فقط.
بطريقة ما، كان هذا ما حدث حين كنتُ صغيرةً بما يكفي لتشفق عليّ الملائكة، وتزرع لي جناحين'.