رغم أن كل الدراسات والبحوث التي أجراها الخبراء من النساء والرجال بينت بوضوح تام أن المرأة ليست سعيدة بعملها خارج البيت، إلا أن المرأة تعاند وتسخر من هذه المقولة، وما زالت ترفض البقاء في البيت بدعوى أن بقاءها في بيتها يسبب لها آلاما نفسية ويجعلها محل سخرية من المجتمع، ظانة أن التي تبقى في البيت هي المرأة غير المتعلمة التي لا تفقه من العلم شيئا، بيد أن الحياة المعاصرة تكلف المرأة أن تكون قطعة من اللحم والشحم يدور حول فلكها جملة من الذئاب تنتظر الفرصة المواتية للانقضاض على هذه الفريسة. فالمرأة وإن كانت كما تزعم أنها لم تعد ذلك الكائن الذي يثير الشهوة، كما قالت إحداهن في حوار مع البي بي سي، قالت إن المرأة تلبس ما تشاء فلم تعد يثير جسدها أيا من الكائنات وأن لا ننظر إلى المرأة جسدا بل يجب أن ننظر إليها فكرا، وهذا الكلام لا يخلو من مغالطات واضحة وفاضحة تناقض الواقع وما يعيشه الإنسان في واقعه، فقبل كل شيء هي نفسها المرأة لا تقبل أن تكون محل استشهاء من قبل أي كان، والرجل يعيش بفطرة وغريزة كما تعيشها المرأة، ويشتهي المرأة والمرأة تشتهيه وتلك فطرة في الإنسان لا نستطيع أن نلغيها أصلا، فهي تعاند فطرتها وتقضي على أصالتها وتداري الناس حول شهوتها، لأن الإنسان هكذا خلقه المولى عز وجل مجموعة من الغرائز و الشهوات والمشاعر والأحاسيس. ولما شعرت المرأة بأنها متهمة وأنها ستكون فريسة سهلة لمن أراد التمتع بجسدها، صرخت في وجوه الرجال وأعلنت تمردها على القيم والأخلاق والمبادئ، ورفضت البقاء في بيتها بدعوى أنها لا تريد أن تكون جاهلة ويجب أن تشارك الرجل في المجتمع وعلى الميدان حتى تثبت جدارتها، وهي بهذا تهدر كرامتها وتعطي الحق لمن أراد اشتهاءها أن يعتدي عليها ولو علمت أن بيتها يصونها من كل تلك المساوئ ما تركته ولهثت وراء موضة العصر الكئيب بلباس ضيق وشفاف ومغر وصدر مكشوف وجسد ينضح بالأنوثة والإغراء، لم تدرأن هذه الأمور هي التي تعطل الإنتاج وتدمر المجتمع وتقضي على كل القيم والمبدئ والأخلاق، فيكثر الفساد وتنتشر الخيانة وتطفو على الساحة رائحة الشقاق بين الزوجين ومنها إلى الطلاق وتدمير كل أسرة فينتج عن ذلك انحلال في العلاقات وتدمير كامل لبنية المجتمع. ليست هذه الرؤية هي الأولى التي يتحدث فيها صاحب رأي، وإنما هي دعوة للمرأة بأن تعيد التفكير في هذه الاستراتيجية التي تؤمن بها وتعمل المستحيل من أجلها، تحاول أن تخفي عذاباتها وآلامها الكثيرة والمتعددة جراء عملها خارج بيتها، إنها تتألم كل يوم بدءا بمشاغل بيتها وحاجيات زوجها وأطفالها، ومعاكسات الشباب والرجال خارج أسوار مملكتها، فهي أينما ذهبت تجد الألم يترصدها فأي سعادة تجنيها المرأة من وراء عملها؟ وفي المقابل نجد المرأة التي تهتم بمملكتها، والتي ترفض أن تكون خادمة عند الآخرين، وجسدها متاح لمن يرغب فيه، بنظرة أو لمسة أو اعتداء على شرف، هي التي تجد البيت مملكة كبيرة تبرع في تنسيقه وترتيبه وتشعر بسعادة غامرة أنها ملكة في هذا الفناء الداخلي ترتبه كيفما يحلو لها، تنسقه، تنظفه، تنتشي بروح فعالة وهي تحرك محتوياته بأناملها، تصنع الأمل في نفسها أن تكون هي من يرأس هذا الحصن الحصين، تربي أطفالها منذ الولادة، ترضعهم الحنان والعطف، تلاعبهم ويلاعبونها، وتنشأ بينهم مودة ومحبة، وعروة وثقى، تستطيع أن تنشئ جيلا جديدا هي من يحدد ملامحه، تدربهم على جميع الأخلاق التي تعلمتها، ترسم البسمة على وجوههم، تتعامل معهم وكأنها هي من يشرف على صحتهم وعلى تعليمهم ومتابعتهم لحظة بلحظة، لا يغيبون عن ذهنها، يصيخون السمع لها، تبدع فيبدعون. هي المرأة التي تتفنن في الطبخ وترسم ألوانا من الأطعمة تقدمها لزوجها وأطفالها، يستمتعون بوقتهم جميعا، ويتلذذون بأشهى أنواع المأكولات الصحية التي تبرع فيها المرأة، وعندما تتزين بكل أنواع الزينة وتظهر أناقتها وجمالها لزوجها وأنها مفعمة بالأنوثة والجمال لا يفكر زوجها في أخرى ما دام النظر إلى زوجته وهي بهذا الجمال الأخاذ يأخذ جميع وقته، فالزوج لما يجد البيت نظيفا متأنقا ترتاح نفسه ويدخل السرور في قلبه ويكافئ زوجته بكل أنواع المكافآت التي تستحقها، وعندما تلفت نظره لجمالها وبراعتها في تصفيف شعرها وانتقاء الألوان التي يرغب فيها لا شك أن ذلك مما يوطد العلاقة بينها وبينه، ويجعل الأسرة متماسكة، ترتاح على إثرها الزوجة وتنعم بحياة هانئة، ولا تحتاج إلى عمل خارج بيتها لأنها مكتفية بما تقوم به من عمل داخله، فجدولها اليومي مزدحم لا تجد وقتا لخارج البيت تبقى فيه مصانة لا تتعرض لمناوشات ولا لمضايقات ولا لتحرشات ولا لاعتداءات فهي عزيزة مكرمة إذا خططت التخطيط الحسن الذي يجعلها سعيدة في بيتها. فقد يكون المال الذي تجنيه المرأة وبالا عليها، يطمع فيه زوجها أو أخوها أو أبوها، أو أي فرد من أفراد العائلة، وقد تصرفه في ما لا يعني من مساحيق التجميل واللباس الفاخر، فهي لا تشعر أنها تعمل من أجل زوجها وأطفالها، تزداد آلامها وتكثر مشاكلها، وتثقل همومها فتصير شاحبة الوجه مهمومة يضعف حالها وجسدها، وتصير ذابلة وهي في مقتبل العمر، ألا تكون لديها الجرأة الكافية وتعلن أنها ستنسحب من الحياة العملية خارج بيتها وتترك مكانها للشباب العاطل عن العمل والباحث عن لقمة عيش، لماذا الإصرار على الألم في ظل وجود حلول تخرج المرأة من مأزقها النفسي قبل الجسدي.