تحقق المرأة في جميع أنحاء الشرق الأوسط نجاحات جديدة في عالم الأعمال والتجارة، مثل تأسيس الشركات، والتوسع في أسواق جديدة، وتولي مناصب عليا في المؤسسات.
لكن أحد الفروق المهمة يظل موجودا بينهن وبين أقرانهن من الرجال، وهو فرق يمنع الكثير منهن أيضا من التقدم، ألا وهو الإحجام عن الإعلان عن إنجازاتهن.
ولا يزال كثير من النساء العربيات الناجحات غير معروفات، ويوجهن اهتمامهن إلى العمل بدلا من الإعلان عن نجاحهن خلال المقابلات الإعلامية، والكتابة عبر مدونات الإنترنت، ومقالات الصحف، والمؤتمرات.
ويقول البعض إن الوقت قد حان لتغيير ذلك، وبالتالي تُظهر نساء أخريات أشياء قوية لتذكر بما يمكن للمرأة أن تنجزه من أعمال، حتى في المجتمعات العربية التي تغلب عليها سيطرة الذكور.
وبما أن الحال كذلك، فإن هناك قليلا من النساء العربيات اللاتي يظهرن كنماذج يمكن الاقتداء بها في المنطقة العربية. فالقوانين والأعراف الاجتماعية لا تزال تفضل الرجال على النساء بوجه عام.
كما أن بعض الشركات التجارية توظف رجالا فقط وبشكل علني في المناصب العليا. وبالرغم من أن ذلك يتغير في بعض أنحاء المنطقة، تقدم العائلات في الغالب دعمها لأبنائها الذكور فقط فيما يتعلق بالتعليم ومبادرات العمل.
وتقول ريم أسعد، وهي مصرفية تحولت إلى سيدة أعمال وصاحبة مشروع تجاري في جدة، بالمملكة العربية السعودية: "أرى أن هناك الكثير من النساء اللاتي يعملن دون ظهور، لكنهن يتمتعن بقوة لا تصدق. وأقول في نفسي، ماذا لو أنهن وضعن ما لديهن من طاقة وذكاء في عمل يمكن رؤيته وتطويره أكثر من ذلك بالنسبة لبقية العالم".
وتضيف ريم، التي تكتب عن التخطيط المالي في عمود لها بصحيفة "ديستنيشن جدة" التي تصدر باللغة الإنجليزية: "أرى نفسي كنموذج يُحتذى بالنسبة للآخرين".
وكرست ريم جهودها لقضية تمكين المرأة في الشرق الأوسط عن طريق تعليمها أهمية الاستقلال المالي للمرأة. كما أنها، من خلال كتاباتها وورش العمل التي تشارك فيها، تحاول تعليم النساء "غير المرئيات" كيفية المشاركة في المجتمع. وبالنسبة لها، فإن الأمر كله يتعلق بقيادتها ما تطلق عليه "ثورة ناعمة".
وتضيف ريم: "أعرف امرأة لا تزال تعمل ربة منزل باختيارها، وذلك لأنها تفتقر إلى الثقة في إحداث تغيير في مجتمعها. وإذا كنت أستطيع زيادة الوعي بين مثل هؤلاء النساء والأجيال القادمة، فيمكنني بذلك أن أترك بصمة من أجلهن".
الرؤية من خلال الغير
عندما تكون هناك نماذج أمام النساء يُحتذى بها، فمن المحتمل بشكل أكبر أن يشجعهن ذلك على دخول قوة العمل، وجلب المواهب والمهارات التي تفيد الجميع، كما يقول بعض الخبراء.
كما أن النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المتوسط لديهن ميل أكثر من الرجال لدخول الجامعة، لكن نسبة مشاركتهن في سوق العمل تبلغ فقط 26 في المئة، وهي نسبة أقل بكثير من المتوسط الخاص بالدول الضعيفة الدخل، والمتوسطة الدخل، والذي يبلغ 39 في المئة، وفقا للبنك الدولي. وهذه إشارة إلى أن العديد من النساء المؤهلات جيدا لا يدخلن سوق العمل.
وتقول ديما دبوس، وهي مستشارة رفيعة المستوى في شؤون الإعلام والمساواة بين الجنسين في منظمة الأمم المتحدة للتعليم والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وتقيم في بيروت بلبنان: "إذا لم تر النساء نساء أخريات من اللاتي صنعن إنجازا، فربما يفكرن في أن ذلك (الحصول على عمل) ليس مناسبا لهن".
وتضيف: "يعود الأمر في ذلك بدقة إلى أننا لا نراهن في مجال الأعمال في قمة هرم القيادة، وهو ما يروج لفكرة أن النساء لا يستطعن شق طريقهن في مجال يسيطر عليه الرجال".
وتعد إقامة شبكة للعلاقات القوية أحد الأمور التي تعتقد ريما دبوس أن على المرأة العربية الناجحة أن تهتم بها لإبراز صورتها. كما تشجع دبوس المرأة العربية على السعي نحو المناصب القيادية العليا، حتى لو كانت لديها عائلة تريد الاهتمام بها، لأن ذلك سيجعل الآخرين يرون أن المرأة لا تحتاج إلى أن تختار بين عملها وعائلتها.
وتضيف ديما: "نجحت العديد من النساء في تحقيق نجاح في كلا الأمرين".
دور الموجهين
ويمثل الموجهون (أو المدربون) أيضا أهمية كبيرة في نجاح عمل المرأة في الشرق الأوسط. فبينما يمكن أن يكون ذلك مفيدا في كل مكان في العالم، فإنه يمثل أهمية خاصة في أماكن تقل فيها رؤية نماذج للنساء في مواقع بارزة.
وتؤمن مجد شويكة، وزيرة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الأردن، بقوة بأهمية وجود موجهين لمساعدة المرأة. فقد كانت مجد تقدم استشارات لطلاب المشروعات والأعمال التجارية من خلال منظمة "إنجاز" غير الحكومية التي تهتم بتقديم تعليم تطوعي. كما أنها أسست شركة إقليمية للتدريب تحمل اسم "مشارك" في 2013.
وكان أغلب عملاء مجد من النساء اللاتي كن، رغم المؤهلات الجيدة لديهن، في حاجة إلى مساعدة من أجل بدء مشروعاتهن، والوقوف على أقدامهن في عالم الشركات التجارية، وذلك رغم حصولهن على مؤهلات جيدة.
ومع أن هناك عوائق في المجتمع بالتأكيد، توصلت مجد إلى أن النساء في بعض الأحيان هن من يمنعن أنفسهن من التقدم.
وتقول: "لقد شهدت تحديات ظهرت في طريقي، وأنا مؤمنة قوية بأن الأمر كله يتعلق بما يدور في عقولنا. إن التحدي هو أن تثبت نفسك. لكن لا تقبل كل النساء ذلك التحدي، فهن بحاجة إلى أن يتمتعن بروح القتال الصحيحة من أجل إثبات ذاتهن. وليس هذا دائما شيئا يأتي بمفرده".
وتوافق هالة فاضل، رئيسة مجلس إدارة "منتدى إم آي تي للأعمال الناشئة في العالم العربي" ومقره بيروت، على ذلك الطرح. ويعد المنتدى شبكة للخريجين لاستضافة المؤتمرات التقنية والمسابقات.
توظيف النساء
وتعتقد هالة أن المرأة يجب أن تكون أكثر ظهورا، حتى وإن كانت هي نفسها تعاني من عدم الراحة التي يجلبها لها الظهور في دائرة الضوء.
وتقول: "كنت أظهر على شاشات التلفزيون، لكنني لم أكن أخبر أحد. كنت غالبا لا أريد أحدا أن يرى ذلك. أنا أعرف أنه لو أن زوجي كان سيظهر في التلفزيون، كان سيخبر كل أصدقائه".
لكن هالة لا تتردد مع بناتها في أن تصطحبهن إلى مكتبها لكي يرين ماذا تفعل هناك. وتريد هالة من بناتها والآخرين أن يعرفوا أنه من الممكن الجمع بين العمل ورعاية العائلة.
ومع موقعها الجديد في ذلك المنتدى، تشعر هالة بالسعادة لأن اثنين من بين الشركاء الأربعة في ذلك المكان من النساء، ولأن مكتب المنتدى في بيروت غالبيته من الموظفات.
وتأمل في أن يصبح المعيار السائد في أحد الأيام هو النسبة المرتفعة لتوظيف النساء، وخاصة الشركات الناشئة التي تديرها النساء. وتضيف: "أريد الناس أن يعتقدوا أن ذلك أمر طبيعي".
وعندما يطرح عدد متزايد من النساء البارزات والناجحات الخوف من الظهور جانبا، فإن نساء أخريات ربما يفعلن الشيء نفسه.
وتقول ريم، مستشارة التمويل الشخصي، إنها كانت أول امرأة في المملكة العربية السعودية تتولى دورا غير تقليدي في أحد البنوك الكبرى مديرة تنفيذية. فقبل ذلك، كانت المرأة في الغالب تحال إلى وظائف كتابية".
وتضيف ريم: "كنت محل اختبار لدور المرأة. كان علي أن أقدم نفسي بشكل مناسب وأن ألبي توقعات محددة. واليوم، إذا ذهبت لنفس تلك المؤسسة، فستجد أن المدير المالي لذلك البنك (البنك الوطني التجاري) امرأة. كما أن منصب المدير التنفيذي لقطاع الاستثمار في ذلك البنك تشغله امرأة".
وتتابع: "ما لا يعرفه الناس هو أنه كان يوجد الكثير مثلي من الذين مروا بتجارب عديدة. لكن لاشيء سوف يحدث ما لم نتجه نحو الخطوط الأمامية".