العَضل في اللغة هو المنع، وعضلُ النساءِ أي منعهن من الزواج. وقد جاء تفصيل هذا الموضوع جلياً في كتاب الله في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا). فقد كان العرب في الجاهلية إذا مات الرجل؛ جاء أحد أبنائه فألقى ثوبه على زوجة أبيه فأصبحت له، وتبقى كذلك ليتزوجها؛ أو يتركها حتى تموت ليرثها. وليس لها خلاصٌ من هذا المصير؛ إلا أن تهرب إلى أهلها قبل أن يضع ابن الزوج المتوفَّى ثوبه عليه، فهي إن فعلت نَجَت بنفسها، وإلا بقيت تحت رحمة ابن الزوج.
هذا كان العضل في الجاهلية، ولكن بعد أن أتى الإسلام وحرَّم زوجة الأب على الأبناء؛ اتَّخذَ العضل معنى جديداً وهو منع المرأة من الزواج ظلماً، كأن يمنع الأب ابنته من الزواج أو يمنع الأخ اخته أو الابن أمه؛ وبدون أسباب، وهذا ظلمٌ بيِّن. فقد جاء المنعُ واضِحاً وصريحاً في الآية الكريمة (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ)، فلا يجوز أن يقف الأب أو الأخ أو الابن في وجه كريمته ويمنعها من الزواج؛ وهو حقٌّ شرَّعه لها الله سبحانه وتعالى، كما لا يجوز لأيٍّ منهم أن يمنعها أن تعود إلى زوجها إذا طُلِّقت منه.
ومن صُور العضل المذكورة في الآية الكريمة (وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ)، أي تمنعوهم المعروف، أو تُضيِّقوا عليهم ليكرهوكم وتطلِّقوهن بدون أن تؤدوا ما عليكم لهن، فتضطرَّ المرأة إلى التنازل عن مؤخرها وباقي حقوقها لتحصل على حريتها بعد ما رأته من سوء المُعاشرة والظلم والقهر. وهذا أمر نهى عنه الله وخصصه بالذِّكر الصريح. ويُعتبر تنازلها عن حقوقها وكأنها اشترت حريتها منه بمالها، وليخسأ الذي يظنُّ أن المرأة عنده أمةٌ اشتراها؛ وثمَّ تشتري منه حريتها.
ويكون العضل إذا منع الوليُّ زواج المرأة طمعاً في راتبها، وهذه صورة نراها كثيراً في مجتمعنا هذه الأيام، فيكون الطمع الشديد لدى الوليِّ هو ما يجعله يعضل المرأة، أو أن يُغلِّي مهرها فلا يأتي من يخطبها؛ وذلك طمعاً في المهر. أو كما جرت العادات في مجتمعنا قديماً؛ أن ابن العمِّ أولى بابنة عمِّه، وهذا أمرٌ حرَّمه الشَّرعُ الكريم، فلا يجوز تزويج المرأة إلا برضاها، وغصبها نوعٌ من العضل وهو حرام على وليِّها أن يفعله، وهذا مِثالٌ على التزويج قسراً، حيث أنه ليس شرطاً أن يكون الزوج ابن عمها، بل قد يكون من المتعصِّبين لقبيلته أو أهل قريته، فلا يقبلَ أن يُزوِّج ابنته إلا من أبناء عشيرته أو أبناء بلدته.
(استوصوا بالنساء خيرا)، هذه وصية سيِّد الخلق صلى الله عليه وسلم لنا نحن أمة محمد، المرأة هي أمك وأختك وزوجتك وابنتك، هي أساس المجتمع ولبنته الرئيسية، هي التي تُربِّي وتكبِّر، هي من تتعب عليهم حتى يصبحوا أشِداء، فرفقاً بهنَّ، وإياكم والظُّلم، فالظُّلمُ ظُلماتٌ يوم القيامة.