لم تعد المرأة السعودية تقبل بالأعمال أو الوظائف السهلة كما يروق للبعض وصفها، فتحدي الذات والرغبة في التميز جعلها تقدم على العمل بوظائف تتطلب مهارات خاصة، ومن هؤلاء خلود العثيمين التي تعمل حالياً في إدارة استقطاب الكفاءات بإدارة التوظيف بالبنك السعودي للاستثمار كمساعد مدير وأخصائي أول توظيف، وهو عمل يقوم على استقطاب أفضل الكفاءات البشرية لتكون من ضمن فريق العمل بالبنك، ورغم صعوبة المهمة لما يترتب عليها من تداعيات قد تؤثر على قطاع أعمال بأكمله إلا أن «خلود» أجادت التحرك في تلك المساحة وباتت تحقق النجاحات فيها، كما صارت تحلم باختراق مجالات أخرى أكثر صعوبة.
تقول «خلود» إن عملها يشمل أيضاً تقييم المرشح للعمل بالبنك وفق المتطلبات الوظيفية سواء للبرامج الوظيفية أو التوظيف المباشر، وهي تدرك جيداً أن طبيعة عملها ذو حساسية عالية وذلك: «لأني أتعامل مع أعلى شريحة توظيف داخل البنك مع إيجاد آلية مناسبة والتخطيط المسبق قبل أي برنامج أو حتى توظيف مباشر».
أما الجانب الآخر من عملها فيتعلق بإنجاز دراسات تطويرية داخل الموارد البشرية تخص تقييم بيئة العمل والبحث عن الطرق التي تجعل الموظفين يعملون في بيئة صحية، ولذا يرتبط عملها إلى حد كبير بكافة الإدارات، ويتطلب ذلك منها الإلمام والمعرفة الشاملة بطبيعة عمل كل إدارة، ومحاولة دراسة احتياجات الأقسام للقوى العاملة بما يتناسب مع طبيعة العمل والوقت والمهارات وغيرها من الأمور الأخرى كمتطلبات مؤسسة النقد السعودي وسوق العمل بصفة عامة
لكل إنسان كينونته الخاصة
نشأت خلود بنت صالح الأحمد العثيمين كما تقول في كنف عائلة تحترم المرأة كشخص مؤثر له كينونته الخاصة والقدرة على اتخاذ القرارات، وتقول :»والدي -رحمه الله -ووالدتي -أطال الله بعمرها- غرسا بداخلي عمق التجربة التي مرا بها، وتعلمت منهما أهمية العطاء وعلو الهمة والتطلع نحو الأفضل مع النظرة الإيجابية لكل أمور الحياة، وأتمنى أن أكرر ما تعلمت منهما مع طفلتي سارة التي أعتبرها أجمل وأرق طفلة بالحياة وأسأل الله أن يحفظها لي دوماً».
وتملك «خلود» خبرات عملية جيدة فهي متخصصة في الموارد البشرية، وقد عملت سابقاً ضمن شركة استشارات موارد بشرية مقرها في مدينة دبي، ثم انتقلت إلى الجامعة العربية المفتوحة كمساعد مدير في الإدارة النسائية ثم عملت كمسؤولة عن قسم التوظيف، ثم انتقلت إلى الهيئة العليا للسياحة والآثار كمدير لبرنامج بالتعاون مع إدارة تعليم البنات.
وفي أثناء دراستها عملت في الولايات المتحدة الأمريكية كمتعاونة في مكتب الشؤون القانونية بالجامعة للمتابعة والتنسيق بين الجامعة والطلبة السعوديين التابعين لها، وكانت مسؤولة في النادي السعودي بتكليف من الملحقية السعودية، إلى جانب اهتمامها بالعمل التطوعي.
شقائق الرجال
ولا ترى خلود القطاع المصرفي صعباً على المرأة كما يردد البعض فهي تؤمن أن السيدات السعوديات أثبتن قدراتهن في مجالات كثيرة، وحري بهن أن يبدعن أيضاً بالمجال المصرفي، فطبيعة العمل المصرفي قائمة على الدقة والمتابعة والحس العالي عند التعامل مع العملاء وكذلك في صناعة القرارات أو الإبداع بتنظيم العمل.
وتكمل: «فيما يتعلق بوضع السيدات الحالي في مجال العمل المصرفي والأسماء الظاهرة والبارزة نجد أن هناك تغيراً جذرياً للعقلية الروتينية أو النمطية، فروح المنافسة والتطلع إلى تحقيق النجاحات وإثبات القدرات العالية، ومستقبل السيدات في العمل المصرفي سيكون بالتأكيد أفضل مما هو عليه الآن».
أما عن التجربة القائمة الخاصة بها فتعتبرها «نقطة تحول في عملي لدى البنك السعودي للاستثمار، وهي تكملة لمسيرتي المهنية في مجال الموارد البشرية وبطبيعة الحال فإن لكل منظمة هيكلة وتنظيم مختلف وكل ذلك لا أعتبره –شخصياً- صعباً طالما جرى فهم طبيعة العمل والسياسات الخاصة بالمنظومة، وأعتقد أن إداراتي كان لها أثر في دعمي كسيدة متخصصة وتوظيف خبرتي بالشكل الصحيح الذي يتناغم مع رغبتي الجادة بإضافة بصمة خاصة بي في العمل، ولا شك أني أدين لرؤسائي بالفضل بما منحوني من ثقة أعتز بها».
قيادات مستقبلية
ووفقاً للمعطيات السابقة فمن الممكن في رأي «خلود» أن نرى قيادات نسائية في العمل المصرفي وفي القطاع الخاص بشكل عام فمتى وٌجد النضج الوظيفي لدى أي مؤسسة فإن ذلك يكون البوابة والجسر الذي تعبر من خلاله القيادات النسائية اللائي يعملن بجهد ومثابرة، كما أن البنك السعودي للاستثمار يزخر بالعديد من القيادات النسائية التي أثبتت قدرتها على الارتقاء والتميز في العمل.
ورغم أن تجربة البنك مع عمل السيدات تُعتبر حديثة نسبياً مقارنة مع البنوك الأخرى إلا أن الفرص المتاحة لظهور تلك القيادات النسائية تبدو واضحة جداً وذلك من خلال زيادة نسبة عدد العاملات في جميع الأقسام مع توجه عالي المستوى لإيجاد قيادات صانعة للقرارات حتى تتولى مناصب متميزة في الإدارة العليا من خلال التدريب والتطوير لمستوى العاملات الحالي وتكليفهن بتمثيل البنك بعدة مناسبات داخل وخارج المملكة وهو ما حدث مع «خلود» نفسها.
الدولة.. والمجتمع
وفي ردها على سؤال يتعلق بالجهود التي تبذلها الدولة في تشجيع المرأة السعودية كموظفة وقيادية تقول إن تلك الجهود الواضحة والمؤكدة تحتاج إلى وعي مجتمعي بأهمية عمل المرأة ليس من الناحية المادية بل كحل لمشكلات نفسية واجتماعية، فالعمل أيضاً يحمي الفتيات من شر الفراغ المحبط، كما يمنح المرأة الخبرة الحياتية اللازمة للتعامل مع الإطار الخارجي بدلاً من السطحية التي تلازم الكثير من الفتيات نتيجة عدم الاختلاط بالمجتمع، مؤكدة أن الاختلاط يجب أن تكون له ضوابط تتماشى جيداً مع الدين وخصوصية المجتمع السعودي.
البنك.. وبيئة العمل الصالحة
وعند سؤالها عن البيئة التي تعمل فيها وما إذا كانت تشجع المرأة فعليا ًوتدفعها نحو مزيد من التميز أجابت قائلة:
«في بداية عملي في البنك كان من ضمن الدراسات التي عملت عليها تطبيق صلاحيات عمل المرأة ومطابقتها مع قوانين وزارة العمل والتي تنص على عدم التفرقة بين العاملين الذكور والإناث من حيث الأجور أو الامتيازات إلا عند اختلاف المسمى الوظيفي.
كما حرصت الإدارة العليا بالبنك على أن تكون بيئة العمل ملائمة لطبيعة وخصوصية الظروف المحيطة بالسيدات العاملات في مجتمعنا وهي ليست قيود وإنما قوانين تضع خطاً واضحاً لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزه، حتى تكون بيئة العمل قوية ويكون الفيصل فيها المهنية العالية لا أي شيء آخر.. وهو ما يتميز به البنك السعودي للاستثمار عن غيره من البنوك والقطاعات الأخرى.
ومصداقاً لذلك حاز البنك جائزة أفضل بيئة عمل مؤخراً، ولا أعتبر هذا إنجازاً سهلاً لأننا نتكلم عن بيئة عمل، تملك روحاً عالية للانتماء داخلها.
ومن الجيد أن نقول إن سمة هذا المكان (البنك) نضجت عبر فترات متباعدة وما وصلنا إليه ليس إلا بجهد من الإدارة العليا وكافة العاملين في البنك، وفي بيئة العمل فإن سياسة الباب المفتوح مبدأ يُطبق وليس شعاراً رناناً فقط، وأتمنى أن تستمر عملية التطوير وأن نصل بروح الفريق العامل هنا إلى أعلى مستوى مهني ليس فقط في داخل المملكة بل خليجياً ومن ثم عالمياً، فالبنك يستثمر في القوى العاملة إيماناً منه بأن من يصنع نجاح المكان هو صاحبه، فكما تهمنا المخرجات فإن المدخلات تظل هي الأهم».