طالما شاركت المرأة الفلسطينية الرجل في العمل والتعليم والنضال من أجل الحرية ونادرا ما اعتبرت عورة ينبغي سترها أو سجنها داخل المطبخ مكانها الوحيد الحيز الخاص. لكن موجة التعصب الديني- الاجتماعي المتفاقمة في المنطقة بدأت تنعكس على المجتمع الفلسطيني عبر طرفي الخط الأخضر وباسم الدين تعالت الدعوات لحشر النساء وحجبهن عن الحيز العام وتهديد من تشارك منهن في فعاليات رياضية حتى لو ارتدت زيها التقليدي المحتشم. في الطيرة داخل أراضي 48 تم إلغاء ماراثون نسائي عدة مرات نظمته ابنة المدينة العداءة حنين راضي بسبب تهديد أوساط دينية متطرفة المنظمين.
ويكشف سامر خاسكية المسؤول عن النادي الرياضي للسباقات في المدينة عن إلغاء «سباق التسامح والوفاء» مرات عدة نتيجة تهديدات بالعنف من قبل رجال وجهات دينية سارعت للتحريم والتكفير أحيانا مشيرا أن الهدف كان اجتماعيا وإتاحة المجال لنساء المدينة للقيام بفعاليات رياضية وترفيهية.
من هؤلاء الشيخ نسيم محاميد الذي حمل على السباق النسائي وقال إن النساء رفضن اقتراحا قدمه بأن يتم الماراثون داخل الملعب البلدي بدلا من الشارع. ويبرر موقفه الداعم لمن نجح حتى الآن بفرض رأيه على الآخرين واستحواذه بتصميم الحيز العام بالقول « نرفض أن تشارك نساؤنا في مثل هذه السباقات كونها لا تتلائم مع ديننا الحنيف وأنا شخصيا مصر على رأيي ولا أرى فيه أي خطأ بل هو يصب في مصلحة النساء والفتيات». وهددت أوساط ذكورية ودينية في المدينة بعرقلة السباق عنوة بل استخدم بعضهم منتديات التواصل الاجتماعي للتهديد بالعنف. وتسبب ذلك بموجة استياء واسعة داخل أراضي 48 وعبرت أوساط نسائية عن غضبها على إتاحة سباقات للرجال وحرمان رجالهن وأخواتهن منها. ولم تبق التهديدات بالأقوال فحسب إذ تم إطلاق النار على سيارة مدربة فريق الماراثون الطيراوي وتعرضت النساء المشاركات في الماراثون لشتائم ومحاولات فرض رقابة عليهن. حنين راضي، إحدى المشاركات في تنظيم السباق تبدي استيائها من الحملة على الماراثون النسائي وتوضح أنها فوجئت بعد استكمال التحضيرات المطلوبة بالاعتداء عليه لأن بعض النساء سيشاركن بـ «لباس ضيق». وأشارت إلى أن النساء أبدين قلقا من التهديدات وقررن العزوف عن المشاركة بالسباق فتقرر تأجيله وتضيف «يؤسفنا وصول مثل هذه التهديدات، فمثلما يتم تنظيم سباقات للرجال، أيضا يحق للنساء سباقات مشابهة».
ويؤيدها بذلك نائب رئيس بلدية الطيرة وليد ناصر فيوضح أن السباق استكمل كافة تدابير الأمن والسلامة ويستخف بمزاعم أوساط داخل المدينة أحبطته بذريعة أن زي بعض النساء غير محتشم مشيرا لتأجيل الماراثون لا إبطاله.
لكن الانتقادات من خارج المدينة داخل أراضي 48 جاءت أكثر وضوحا وقوة إذ تجندت القائمة العربية المشتركة لجانب النساء في الطيرة واعتبرت تحريم السباق اضطهادا واحتكارا مضللا للدين وسطوا على الحيز العام.
وللتأكيد على خطورة الأمر زار أعضاء القائمة العداءة راضي في منزلها في مدينة الطيرة وأكدت عضو الكنيست الجديدة عايدة توما على أن هذه القضية ليست شخصية وأن الاعتداء هو على كل ما نحمله من قيم ومبادئ وافكار .
وتابعت «لسنا فقط داعمين لفكرة الماراثون انما لحق المرأة في التواجد في المساحة العامة التي تختارها هي. ونحن لم نقبل ان يتم تشويه وجه مجتمعنا بهذا الشكل ولا يمكن القبول بجو الترهيب والإرهاب والتخويف».
كما أدان التجمع الوطني الديمقراطي بشدة محاولات البعض إلغاء الماراثون بطريق العنف الكلامي والفعلي وأساليب التهديد والبلطجة والترويع.
ودعا التجمع إلى عدم الرضوخ لأساليب العربدة والإكراه، والشروع بتنظيم ماراثون قطري تشارك فيه نساء من كافة أنحاء البلاد إلى جانب نساء من مدينة الطيرة. ويحذّر التجمع الوطني من التراجع أمام محاولات قمع النساء وقمع الحق في ممارسة النشاط الثقافي والرياضي واستخدام أساليب فرض الأمور بالقوة وبالتهديد وبالوعيد، التي لا علاقة لها بالدين بل بالسعي للهيمنة على المجتمع.
وطالب التجمع كل القوى السياسية المحلية والقطرية مناهضة قلة تحاول فرض رأيها على مجتمع بأسره بعد أن نصبت نفسها وصية على المسموح والممنوع في الرياضة والثقافة والحيز العام عموما.
وأكد أنه لا يعقل التزام بعض الأطراف الصمت أمام ظواهر خطيرة مثل منع النشاطات الجماهيرية تحت ضغط قوى تريد فرض هيمنتها بالتهديد والعنف.
عضو الكنيست حنين زعبي التي تتصدى عادة لمثل هذه الظواهر شددت على حيوية حرية التعبير دون المساس بحرية الآخرين وانتقدت سيطرة بعض الشيوخ على المنابر للترويج لأفكار متطرفة اجتماعيا باسم الدين.
ووجدت نفسها بعد ذلك هدفا للهجوم من أوساط متطرفة ما دفع حزبها التجمع الوطني الديمقراطي لمساندتها والتوضيح أنه تم تحريف أقوالها. في بيانه يؤكد التجمع الوطني على إدانته هذه المحاولات وعلى ضرورة مساندة النائبة زعبي بموقفها، الذي يمثل موقف غالبية الناس، والداعي لاحترام حقوق المرأة وحقوق الإنسان وإدانتها لاستغلال البعض للمنابر والمنصات والمناصب للتحريض وللإكراه وفرض المواقف بالتهديد والوعي.