الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

مستقبل تونس في يد النساء

  • 1/2
  • 2/2

شيحة قحة - تونس - " وكالة أخبار المرأة ""

كلّ صباح، أنهض باكرا. أمشي الى الكلّية ان كانت لي دروس أو أمشي الى المسلك الصحّي حفاظا على ما تبقّى من العافيّة... في ظلمة الليل، شتاء، في مطلع الفجر، صيفا، تعترضني في الشارع نساء كثيرات.
كانت النساء من كلّ الأعمار. بعضهنّ محجّبات والبعض الآخر غير محجّبات. في فرق صغيرة أو منفردات، تمشين بخطى حثيثة الى العمل... أنظر مليّا فأرى هنا وهناك بعض الرجال من الكهول وأحيانا من الشباب،. النسوة هنّ اللاتي يملأن الشوارع، قاصدات مراكز الشغل، بكرة وعشيّة...
البارحة، في ثاني يوم من رمضان، ذهبت في آخر الصباح لقضاء شأن خاصّ. كانت الشوارع على غير دفق العادة بل كانت الطرقات والساحات في بعض خلاء. هو رمضان كالعادة والمعتاد، عيش في الليل ونوم في النهار. هو رمضان كما أتيناه صغارا وكما أتته الأجيال المتعاقبة، منذ أوّل الزمان. في كلّ رمضان، ترى الأيمّة ورجال الدين كالعادة والمعتاد يلوكون، ليلا، مساء، ما حذقوا من الكلام البالي، يقولون دون اقتناع أنّ شهر الصيام خير من ألف شهر وهو شهر الصبر والجهاد. مثل هذا الكلام الخاوي سمعته مذ كنت رضيعا، أحبو، كلّ سنة، بنفس الألفاظ، بنفس الجمل والقوالب. هو الكذب يعاد كالعادة والمعتاد... دعني اليوم من هذا.
كان الزمن منتصف النهار وكان المكان أريانة العليا، حيّ شعبيّ، متوسّط الحال. دخلت حانوتا يبيع الدجاج وكانت صاحبته امرأة شابّة، بهيّة الوجه، دوما تبتسم، تزن الدجاج، تسلخه ثم تقطّعه أجزاء. كنت في الحانوت مع زبونة واحدة. بعدها، ذهبت لحانوت آخر يبيع المواد وكانت صاحبته امرأة في الخمسين من العمر، تجري من ركن الى آخر تمدّ الحرفاء ما طلبوا من
بضاعة. كانت تجري وقد علّقت في أذنها هاتفا. لا أحد يجيب في الهاتف فتعيد المرأة النداء وتنتظر اجابة... سألتها «لماذا النسوة هنّ العاملات في الحوانيت، فأين اختفى الرجال؟» قالت وهي دوما تهتف «ألا ترى، منذ ساعة أسعى الى انهاضهما من الفراش. سهرا البارحة حتّى الفجر وها أنا واقفة وحيدة، منذ الصباح.» سألتها «من يكون الراقدان الى منتصف النهار؟» قالت «زوجي العزيز وابني الشابّ مازالا الى الساعة في الفراش» قلت «كيف هذا؟ الرجال في البيوت نيام والنساء في الحوانيت؟» قالت «كأنّك حاضر وهذا ما يحصل في بيتي ولدى العديد من العائلات»...
كلّ أسبوع أمشي الى رأس الجبل مرورا بعوسجة وأوتيك وقرى أخرى. في كلّ مرّة، تعترضني البنات والنساء وهنّ خارجت أو داخلات الى المصانع. عشرات، مئات من النسوة في ذهاب واياب، فرادى وجماعات. هذه النسوة تكدّ، تشقى لكسب العيش، تسعى لتؤكل الكبار والصغار. في تلك القرى، كنت أرى المقاهي وقد غصّت رجالا وشبابا. حيث تمشي في تونس اليوم تلقى النسوة في الحقول، في الادارات، في الجامعات، في الحوانيت... يشتغلن طيلة النهار والى جانب النساء تلقى الرجال في قعود، يقضون النهار بين المقاهي والمساجد...
المرأة التونسيّة اليوم هي مفخرة البلاد. النساء عندنا هنّ من يحرث الأرض، من يملأ المصانع، من يدفع بالإنتاج، من يؤمّ الجامعات والمدارس... أنظر في نتائج الباكالوريا وفي غيرها من الامتحانات، أنظر في الأقسام... لسوف تلقى البنات في الصفّ الأماميّ، متفوّقات. في قسمي، في كلّ سنة، ألقى أمامي أغلبيّة ساحقة من البنات وأراهنّ في اجتهاد، في صبر وامتثال... أيّام الثورة، كانت النساء هنّ الحاملات للرايات، الصارخات في الشوارع، الدافعات الى الأمام... ورغم ما تأتيه النساء عندنا من جهاد، يقول بعض الرجال «ان المرأة عورة» و»هنّ ناقصات عقل ودين» الى غير ذلك من الترّهات... أنا أقول «ان الرجال هم عورة البلاد وهم، كما أرى هذه الأيّام، ناقصوّ عقل وتربيّة وأخلاق...»
دون تعميم للقول، يجب أن نقرّ ونعترف أن تونس اليوم هي من فعل النساء وأنّ مستقبل تونس هو في يد النساء. ولأنّهنّ اليوم في الصدارة، يجب أن نعيد الاعتبار الى النساء، أن نعطيهنّ المسؤوليّة والسلطة والمناصب والمال... فهنّ أقدر من الرجال وهذا نراه في كلّ مكان.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى