تطرّق نظام الحماية من الإيذاء في تعريفه للإيذاء إلى إساءة المعاملة النفسية للمرأة من قِبل من لهم ولاية أو سلطة عليها, والزوجة تتعرّض إلى الهجر والتعليق من زوجها سنوات عديدة, يتركها الزوج وأولادها بلا نفقة ولا رعاية, ومع أنّ الشرع يعطي للزوجة حق طلب فسخ عقد الزواج إن تجاوز الهجر والتعليق ستة أشهر طبقًا للمذهب الحنبلي الذي تعمل به محاكمنا, إلّا أنّ قضاتنا لا يستجيبون لمطلبها, ويُصرّون على حضور الزوج الذي يتعمد التغيب وعدم حضور الجلسات, وتؤجل القضايا سنوات, وتظل المُعلَّقة سنوات بلا نفقة, وبموجب أنظمة العمل التي تشترط موافقة ولي المرأة على العمل, لن تستطيع المعلّقة والمهجورة من العمل إن كانت غير موظفة إلّا بموافقة الزوج الذي يرفض ذلك, وتُهدد بالطرد من الشقة التي تسكنها لعدم تسديدها الإيجار, والضمان الاجتماعي لا يدفع لها مرتبًا إلّا بشروط قد يصعب على المعلقة والمهجورة توفيرها، فلا تُصرف لها الإعانة, ممّا يعرضها وأولادها إلى النزول إلى الشارع للتسوّل, فيتعرّضون لخطر الشارع, وما قد يؤدي إليه من انحرافات سلوكية وخُلقية, وحرمان الأولاد من مواصلة دراستهم وإن حضر الزوج بعد سنوات تُفاجأ الزوجة المعلقة مطالبة القاضي لها بمخالعة الزوج, وأمرها برد المهر إليه, ولا يُلزم الزوج بدفع مستحقاتها هي وأولادها من النفقة طوال سنين هجره لها, ولا ننسى أنّ الخلع يعني التنازل عن جميع حقوقها المالية, فهذه المرأة الفقيرة المعدمة من أين تأتي بالمهر لتدفعه له؟ وهل تكافئه بهجره لها برد مهرها الذي أصلًا لم تستلمه؟ فبحكم أعرافنا, مهر الفتاة يؤخذ جزء منه لشراء ملابس عرسها, ويُرد الباقي للعريس ليدخل في شراء أثاث بيت الزوجية, وقضاتنا يعرفون هذا؟
وللأسف تظل الزوجة معلّقة إلى أن تدبر المهر لترده للزوج عن طريق الديْن إن وجدت من يُديّنها حتى لو ظلّت معلقة باقي عمرها!!
ثم رد المهر في حالة المخالعة للزوجة حديثة الزواج، ولكن التي مضى على زواجها سنوات قد تصل إلى عشرين سنة، كيف يحق له استرجاع المهر الذي دفعه، وهي قد أضاعت أحلى سني عمرها في حياتها معه؟
واضح من حديث زوج ثابت بن قيس أنـــها كانت حديثة العهد بهذا الزواج، لأنها خشيت على نفسها من إثم عدم قدرتها إعطاء زوجها حقوقه الشرعية، فليس من المعقول أنها بعد مضي سنين عديدة تخشى على نفسها من هذا الإثم! كما أنه ليس من المعقول أن يقبل زوجها منها ذلك، ولا يُطالبها بحقوقه الشرعية!
ثمّ أنّ الخُلع يكون في حال وقوع الضرر على الزوج, وليس على الزوجة, يوضحه قوله تعالى:(وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا) [البقرة : 229]
ويشرحه حديث زوجة ثابت بن قيس التي قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن زوجها:" لا أعيب دينه وخلقه ولكنى أكره الكفر في الإسلام, فقال لها: أتردين له حديقته؟ قالت نعم" وتمّت مخالعته, هذا الحديث يبيّن لنا أنّ الخُلع برد المهر للزوج عندما يكون الضرر على الزوج بفسخ العقد, وليس عند وقوع ضرر على الزوجة, فزوجة قيس لم تُعبْ زوجها, ولكنها لم تُحبّه, فلم تستطع منحه حقوقه الشرعية؛ لذا كان لها حق المخالعة برد مهرها لزوجها مقابل فسخ عقد الزواج, وليس من العدل عندما يكون الضرر واقعاً على الزوجة بممارسة عنف ضدها, أو بهجرها وتعليقها, طلب منها مخالعة زوجها برد ما دفعه لها مهراً, وقد يكون دفع لها بضعة قروش تسهيلًا من أهل العروس, بينما يُسجّل في صك الزواج مبلغ كبير لمباهاة الأهل بذلك أمام الناّس , أيضًا الخُلع يعني تنازلها عن حقوقها المالية بما فيها مؤخّر الصّداق إن كان ذلك مسجلًا في عقد الزواج.
فالضرر واقع على الزوجة بهجرها وتعليقها سنوات دون الإنفاق عليها ,وعلى أولادها, وإعطائها حقوقها الشرعية, مع أنّ الله جل شأنه نهى عن التعليق فقال(فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ), والتعليق والهجر نوع من نشوز الزوج الذي يستوجب تأديبه عليه من قبل القاضي, وليس مكافأته برد مهره إليه, وتنازل الزوجة عن حقوقها المالية، والخُلع في هذه الحالة يكون باطلًا، ويُلزم القاضي بفسخ العقد، وإصدار حكم على الزوج بدفع لها مستحقاتها المالية، مع دفع نفقتها هي وأولادها منه طوال فترة هجره لها، مع معاقبته لتقصيره في حقوق زوجته وأولاده.
ورغم أن قضاتنا ملتزمون بالفقه الحنبلي في المقام الأول، فلم يأخذوا بما جاء في الشرح الكبير على متن المقنع في فقه الإمام أحمد بن حنبل للإماميْن موفق الدين وشمس الدين ابني قدامة في مسألة: "فأما إن عضلها لتفدي نفسها منه ففعلت ، فالخلع باطل والعوض مردود ، والزوجية بحالها إلا أن يكون طلاقًا، فيكون رجعيًا" [ ابن قدامة : المغني والشرح الكبير، ج8 ، حاشية الصفحة 177]
فالخُلع لا يكون في حالات الهجر والتعليق , وممارسة العنف ضد الزوجة, وينبغي أن يُساءل القاضي الذي يحكم بالخلع في هذه النوعية من القضايا لأنّه يتنافى مع عدل الله, ويُعطّل حكمًا شرعيًا , وهو حق الزوجة في طلب فسخ عقد الزواج عند وقوع ضرر عليها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا باعتبار القضاء هو الحكم في قضايا العنف الأسري بموجب نظام الحماية من الإيذاء :
إن كان القضاء شريكاً في وقوع هذا الاعتداء العاطفي والنفسي على المرأة, فكيف سيحميها منه؟