طالعت صباح أمس مقال "نيوتن" في عموده اليومي "وجدتها" بصحيفة "المصري اليوم". المقال جاء بعنوان "تدمير ذكريات مؤلمة" عن دراسة لجامعة هولندية، أثبتت أنه يمكن محو الذكريات المؤلمة بومضات كهربائية. فقد وجد العلماء في ذلك علاجاً للصدمات والاضطرابات النفسية.
أسلوب يمكن أن يعالج كذلك إدمان المخدرات. ذكر "نيوتن" في مقاله أن كاتب الدراسة، واسمه "ماريجان كروس"، قال :" إن الدراسة يمكن أن تؤدي أيضاً إلى علاجات جديدة لأمراض مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، وكلها يمكن أن تنطوي على الذكريات، ويمكن أن تكون مدمرة".
بعد استكمال قراءة المقال، تأملت هذه الدراسة، وتخيّلت لو كان الأمر صحيحاً، وأصبح بمقدور الإنسان نسيان الذكريات التي تسبب له آلاماً يعجز أحياناً كثيرة عن تحملها، وعن أخطاء يتمنى لو كان لم يفعلها فتصيبه بندم يؤلم قلبه ونفسه.
ترى هل يستطيع الإنسان نسيان جروح سببها له أقرب الناس إليه، أو فشله في علاقة حب، أو ضياع ثروته، أو حتى نسيان ظلمه هو نفسه للآخرين؟! هل هناك علاج يمكن أن يمحو من ذاكرة الإنسان أحداثاً وذكرياتٍ وأخطاء جسسام وو......؟؟، وإذا توفر علاج يمحو جزءً من ذاكرة الإنسان، كيف يمكن أن يتعلم الإنسان من أخطائه فلا يكررها؟!
لا شك أن الإنسان يحتاج دوما إلى هبة من الله ليمن عليه بنعمة النسيان في كثير من الأحيان، ولينسى أحزانه على فراق الأحباب، وربما ليعفو ويصفح عمن أساؤوا إليه، ولكنه يحتاج أيضاً إلى تذكر أخطائه، لتكون عبرة وعظة له فيما تبقى من حياته، وربما لينقل خبراته أحياناً لمن حوله، ويحتاج إلى شعوره بالندم -الذي ربما يسبب آلاماً كبيرة وغير محتملة للبعض- من أجل أن يفكر آلاف المرات قبل تكرار الخطأ في المستقبل، وربما أن الندم هنا يلعب دورا معالجا يمكن أن نشبهه "بالمضاد الحيوي" الذي يقوي جهاز المناعة ضد فيروس "تكرار الأخطاء".
وإن في الماضي لعبرة لمن يعتبر! ولكن هذا لا يعني أن تغوص النفس في بحر الأحزان والآلام، ليجد الإنسان نفسه قد فقد ماضيه نتيجة أخطاء وأحزان، أو علاقات وعادات سلبية، ويفقد حاضره الذي يدمره باجترار مستمر لذكريات مؤلمة، فيترتب على ذلك مستقبل مظلم يؤدي بهذا الإنسان إلى معاناة مستديمة بأمراضٍ نفسية وعضوية نتيجة الوقوع في فخ الذكريات المؤلمة.
وربما يؤدي تدمير الذكريات المؤلمة لدى البعض، إلى العلاج الذي أشارت له الدراسة الهولندية، وهو "الومضات الكهربائية"، ولكن يستطيع البعض الآخر تدمير آلام الذكريات بالإيمان بالله عز وجل والإيمان والرضا بقضائه وقدره، وبالإرادة القوية والعمل المستمر في إصلاح ذات الإنسان وتزكيته لنفسه، والقدرة على مواجهته لأخطائه، وتحدي ظروفه، وتخطي لحظات الحزن والفراق والمرض والمحن، بنفسٍ مطمئنة متفائلة راضية مرضية بما كتب لها ،وهي واثقة بالله العفو الغفار الرحمن الرحيم.
ومن أجل تدمير الذكريات المؤلمة يحتاج الإنسان إلى دعم الأصدقاء الأوفياء، وإلى نفسٍ حريصة على التعلم من أخطاء الماضي، من أجل حاضر أفضل ومستقبل مشرق، ويحتاج الإنسان دائماً إلى جرعات من التفاؤل والإيجابية والأمل وإلى قدر من التسامح مع نفسه ومع الآخرين.
عبير الكلمات:
نحتاجُ دائماً إلى حِضْنِ الأُمِّ، يَضُمُّنا ويُرَبِّتُ على أَحْزانِنا، مَهما كَبُرْنا وتَسَلَّلَ الشَّيبُ إلى رُؤوسِنا.