ساعات، ويتعانق عقربا الساعة مشكلين رقما مختلفا، ومعلنين عهدا جديدا سيحفل كما مثيله بأحداث يسارع المنجمون إلى توقعها، وبعض البشر إلى الاقتناع بها.. من الناس من ينتظر هذا اليوم بلهفة، ويعتبره حدثا جليلا يستحق الاحتفاء، ومنهم من لا يراه غير يوم عادي سينشق عنه النهار، ليسلمه إلى الليل.. سيكثر اللهاث في هذا اليوم بين المعلنين، وأصحاب المتاجر، وصناع الجمال.. سيحتفي مصممو الأزياء بالمرأة التي ستراها تتصدر كل المجلات، والإعلانات وكأن رأس السنة امرأة يجب أن تبدو كعرائس المولد..
ماذا يعني العام الجديد لأي إنسان بغض النظر عما يعنيه للطائفة المسيحية؟ ماذا ينتظر من أيام تتوالى فيها الأحزان والأزمات، وهل مرّ ما سبق بكل هذه البساطة حتى نهش، ونفرح، ونمتلئ حبورا.. كم سيجني المنجمون في هذا الشهر من الأموال الطائلة، وهم يعبثون بمشاعر الإنسان حين يتوقعون له ما يلذ ويطيب، وما يفسد ويدمر؟ وهل غدا الإنسان بمثل هذا التجوف الروحي حتى يتراكض في خطوط المنجمين، وتوقعات المتشيطنين؟..
اليوم.. ستتحول شاشات التلفاز بفعل ساحر إلى مسارح تهدي السعادة ألوانا.. سنضحك كثيرا لأن استقبال العام الجديد بالضحك يطيّر الشؤم.. سنقبّل بعضنا بعضا لأننا اكتشفنا أننا نحب بعضنا بشدة.. ستتقارع الكؤوس.. سيعبّ البشر من الخمر المعتقة، والمكدرة.. ستنام بائعات الهوى في أحضان الفرسان.. ستسكب الأوراق الخضر مطرا غزيرا دون وعي.. سيحاول كل المحتفين أن يخرجوا من جلودهم.. كلنا نريد أن ننسى، ولكن أحقا نستطيع أن ننسى مشاهد الخزي، والعار؟ أنستطيع أن نغفل عمن يتشردون في العراء مهتاجين من الفقر بأرجلهم الحافية التي عقدت صداقات مع الثلوج والبرد والجوع والحرمان؟ أنستطيع أن نمحو صور الوجوه التي جردت من الحياة أمامنا؟.. هل تراك أيها البشري تستطيع إسكات ضميرك في هذه الليلة، وأنت الذي تجردت منه، فقعد قبالتك متربصا يراقب انتشاءك المزيف، ويسخر من تكوينك الآدمي؟..
رغم كل هذا.. سنسدل الأستار على الضباب.. سنتخيل أن في الليل بصيص نور، وأن ما سيأتي سيكون أحلى.. ربما لنستمر، وربما لأن الحياة ما تزال تريد أن تحيا..