"تونس، هذا المشروع بُنِي على مدى آلاف السنين، أسمّيه الاستثناء التونسي وحمضه النووي (DNA)" هكذا يصف الدكتور لطفي مقطوف، رجل القانون والناشط في صلب المجتمع المدني، وطنه، تونس الذي يعمل اليوم على إنقاذه من براثن الظلامية و"مشروع البروتوكول الإسلامي". فكان كتابه "لإنقاذ تونس" في نسخة فرنسية طبعت مرتين في أٌقل من يومين، مُهديا إيّاه للمرأة التونسية، التي يراها أساس المجتمع وبنيانه وتطوره، دون إخفائه إعجابه الشديد بها وبنضالاتها المستمرة.
رجل الأعمال التونسي في المهجر، والمستشار السابق بصندوق النقد الدولي، وعضو عمادة المحامين بنيويورك، وصاحب جمعية "مدنية" التي أسسها بعد 14 جانفي ليضخ روح الأمل في فتيات المناطق الريفية من خلال توفير النقل المدرسي الذي كان حجر عثرة في وجه الكثيرات لاستكمال تعليمهن، مُتشبع بالفكر البورقيبي الذي ناضل من أجل تحرير المرأة وجعلها "مساوية للرجل لا مُكملة له" كما يقول.
كتابه "Sauver la Tunisie" أو "لإنقاذ تونس" تمّ ترشيحه كتاب السنة لسنة 2013 من بعض وسائل الإعلام كقناة الوطنية الأولى التونسية وجريدة الشروق التونسية.
" وكالة أخبار المرأة " كان لها لقاء مع الدكتور لطفي مقطوف لتناول قضايا مجتمعية تخص المرأة، من خلال حديث مسهب عن جمعيته "مدنيّة" وكتابه الجديد "لإنقاذ تونس".
* أهديت كتابك "لانقاذ تونس" للمرأة التونسية، لماذا؟
- لقد أهديت كتابي لنساء بلادي لسببيْن: الأوّل هو أنه مع ما تعيشه بلادي من تهديد للحريات والمساواة بين الجنسين، والهبّة الظلاميّة و رصيدها من العنصرية وحرمان النساء والفتيات من حقوقهنّ في التعليم، حركتهنّ العادية خارج البيت، سلامتهنّ الجسدية وحقّهنّ في التطوّر، توجد المرأة في الخط الأمامي، تدافع عن نفسها بشجاعة وكرامة من أجلها ومن أجلنا جميعا. وهنا، نجدها في مركز ما أسمّيه الاستثناء التونسي، الذي من خلاله تبرز المرأة العنصر المُحفّز والمؤشر الديناميكي المجتمعي من بلدي.
السبب الثاني ينبع من عمق إعجابي بالمرأة التونسية التي عرفتْ، بكل مسؤولية ونضج، كيف توظِّف الحرية التي ناضل بورقيبة لجعلها ممكنة. صحيح أنها على مدى عقود، عرفت مجموعة من الحقوق، ولكن أيضا من الواجبات، وهي لم تختر الحقوق على حساب الواجبات. لقد انخرطت بكرامة والتزام على جميع المستويات في معركة التنمية الكبرى.
* ألا تعتقد أن هذا الانحياز الى المرأة يمكن أن يجلب لك انتقادات من قبل تكتلات معينة؟
- لست رجل سياسة عليه إرضاء الحدّ الأقصى من الفصائل. أنا مواطن ناشط في المجتمع المدني وأشعر أني كما المرأة التونسية، حُرّ ومسؤول في الوقت نفسه. وإذا كانت المرأة تخشى بعض الفصائل، فأنا أنضمّ لمعركتها.
* هل هنالك ما يهدّد المنظومة المجتمعية في تونس؟ وخصوصا مكانة المرأة؟
- كتابي يذكر بالتفصيل المخاطر التي يواجهها النموذج التونسي. لكُلّ أمّة مُكونات أساسية تجعل منها بالتحديد أمة، ولكل مجتمع مشروع، حلم، ورؤية لمستقبله يتشاركها مع جميع أعضائه. في حالة تونس، هذا المشروع بُنِي على مدى آلاف السنين، أسمّيه الاستثناء التونسي وحمضه النووي (DNA). إن وطني يمُرّ بمرحلة تحدٍّ وجودي، لأنّ هذا النموذج وهذه التركيبة تعرف طعنا وتشكيكا من قبل مشروع البروتوكول الإسلامي، الذي لا يمُتّ بأي صلة لهذا المجتمع، ولا لهويّته وقناعاته، بما في ذلك القناعات الدينية.
"المرأة مُساوية (وليست مُكمّلة) للرجل"
* ماهو دور جمعية مدنية تجاه المرأة والفتاة الريفية التونسية؟
- تم إنشاء جمعية المدنية للمساهمة في الحفاظ على هذا النموذج المجتمعيّ حيث المرأة مُساوية (وليست مُكمّلة) للرجل. تعود جمعيتنا للمنابع لتعزيز تعليم الفتاة خاصة في المناطق الريفيّة، إذ نقوم في كل يوم، عن طريق شبكة النقل الريفي، بنقل 4800 ولد وبنت لمدارسهم ونعيدهم مساء، لنجعل من حق التعليم حقيقة وليس فقط حقا نظريا. إن جمعيتي تناضل على أرض الواقع لإعطاء المواطن قيمته بشكل ملموس.
لدينا ما يكفي من الخطب والكلام، من البيانات والسياسات التي لا تعرف شيئا غير الحديث والحساب. نحن نفضل مساندة المرأة، لأنها مساوية للرجل، داخل السياق العام لمساندتنا للسكان، إما عن طريق النقل المدرسي أو تمويل رخص السياقة، أو مشاريعنا للقروض الصغيرة أو من خلال أشياء أخرى.
* هل هنالك وعي في تونس بأهمية مثل هذه الجمعيات؟
- بالتأكيد، ونحن نريد ضمان أن يكون كل شيء في حدود القانون. نحن جمعية مسجلة وموافق عليها، ولدينا اتفاقيات مع الدولة لكل عملياتنا، بالنسبة إلى النقل المدرسي الريفي مثلا، بالنسبة إلى مشروع غرس المليون شجرة، المناظرة الوطنية للمطالعة، مشروع المواقع الالكترونية البلدية.. الخ
* هل تتعاونون مع مؤسسات دُولية لتمويل الجمعية؟
- يتهمنا الكثير من أنصارنا بنقص التواصل، فنجيبهم أننا موجودون هنا للخدمة في إطار الفاعلية والنتيجة. إن مشاريع جمعية المدنية ممولة من خلال مصادري الخاصة، لذلك نحن لا نحتاج إلى جمع الأموال ولا "بيع" التزامنا لدعم عملنا. نحن كذلك أحرار في التركيز على أعمال ضرورية للغاية ولا تهُمّ السياسيين. إن الأطفال الذين ننقلهم أو نهديهم كتبا وهدايا لتحفيزهم على القراءة، أو أولئك الذين ننظّم لهم رحلات لاكتشاف تراثهم، لا يصوّتون. لا أحد من المليون عربي الذي نزرعهم يصوّت، والمنتفعون من برنامجنا للقروض الصغيرة لا يعرفون سوى رئيس مشروعهم المحلّي.
ليس لدينا ما نخفيه، لكننا لا نرى جدوى من الحديث عما نفعله. وكل من له رغبة للتعرف علينا أكثر من أجل المساعدة والانخراط نحن نرحب به.
* كيف ترى مستقبل المرأة التونسية كرجل أعمال مغترب، وكرجل قانون وفرد من أفراد المجتمع المدني؟
- إن مستقبل المرأة مرتبط بمستقبل المجتمع وهو الذي سيحدده، وإذا نجحنا في معركتنا ضد الظلامية والجهل، فإن المرأة ستلعب دورها كاملا في مجتمع مزدهر. أما إذا انتصرت القوى الظلامية، ستكون المرأة أول سبيّة في الحرب. ولكن، مع معرفة قيمة وقوة المرأة التونسية، وبالنظر إلى المشهد الجهوي، وما ستؤول إليه محاولات الهدم لنموذجنا وحراكنا الاجتماعي، أبقى متفائلا. كلما استأنفنا أعمال البناء بوقت أسرع كلما صار بلدنا أفضل.