تركز دور الاوقاف الاسلامية في العقود الاخيرة بالخدمات الدينية ومتعلقاتها، رغم اسهامها كذلك في مجالات التعليم والتدريس. وقد حاول البعض دراسة مؤسسة الاوقاف بإلقاء نظرة مقارنة بين نظام الوقف والصيغ المعاصرة للعمل التطوعي، ومدى تماثل هذه الصيغ مع هذا النظام، ومنها صيغة «المؤسسة الخيرية، وصيغة «الاستئمان»، أو صيغة الجمعية.
تخضع الاوقاف حاليا لحكومات العالم الاسلامي، فكانت تركيا اول دولة اسلامية تقوم بإلغاء نظام الوقف ووضعه تحت السيطرة الحكومية عقب الغاء الخلافة مباشرة في العشرينيات من القرن العشرين. «وبحلول منتصف القرن كانت معظم حكومات البلدان العربية والاسلامية قد أصدرت قوانين خاصة بتنظيم الوقف ووضعه تحت اشرافها المركزي بدرجات متفاوتة من بلد لآخر، فضلا عن قيامها بالعديد من الاجراءات التي قوضت شبكة الاعمال والانشطة الاهلية التي كانت معتمدة عليه كمصدر للتمويل». «الاوقاف والسياسة في مصر، د.ابراهيم البيومي غانم، القاهرة، 1998، ص65».
وكان د.مصطفى السباعي قد رسم في كتابه «اشتراكية الاسلام» صورة مختصرة شاملة لنشاطات الاوقاف في العصور الاسلامية، والتي شملت المساجد والمدارس والمكتبات العامة والمستشفيات والفنادق والآبار والمساقي والرباطات والسلاح والخيول للجهاد وتجهيز المقاتلين واصلاح الجسور والمقابر والعناية باللقطاء والايتام والمقعدين والعميان والعجزة والمساجين والقرض الحسن للتجار واعطاء البذار مجاناً للفلاحين.. وغير ذلك. وقد صار للكثير من هذه وزارات وجهات تعنى بها. وكانت الاوقاف تنفق على زواج غير القادرين وايواء الحيوانات الضالة، وكان في مدينة طرابلس لبنان.
يقول د.السباعي، وقف لتوظيف شخصين يمران كل يوم على المرضى في المستشفيات يكون عملهما «ان يتحدثا بصوت خافت يسمعه المريض، بحيث يوهمانه انهما يتكلمان بصوت عادي فيما بينهما، يقول احدهما للآخر: اني ارى اليوم فلاناً أحسن منه بالامس فيقول الآخر: واني ارى اشراق وجهه وعينيه احسن، بحيث يسمع المريض ذلك فيعتقد صحة ما يقولان». «القاهرة، 1962، ص334».
وكان في مستشفى السلطان قلاوون بالقاهرة فرقة خاصة للتمثيل الشعبي المضحك تخفيفا عن المرضى. ويقول المستشرق ي. هل في كتابه «الحضارة العربية»، ان بناة هذا المستشفى عام 1285 بذلوا واسع الجهد لادخال البهجة والسرور على المرضى اثناء اقامتهم فيه، وكان «ينادي بأذان الفجر قبل ميعاده بساعتين حتى يبدو الليل قصيراً لأولئك الذين لم يغمض لهم جفن». «ص143».
ومن النقاط التي وجه د.البومي الانتباه اليها علاقة الاوقاف بتعليم البنات في مصر مجاناً، وبخاصة ابناء الفقراء وغير القادرين.
وقد حرص بعض مؤسسي الوقفيات الكبيرة من أعضاء الأسرة المالكة ومن كبار الملاك على مجانية التعليم وكذلك توفير احتياجات التلاميذ من البنين والبنات من ملابس وتغذية وإعانات نقدية وخاصة للبنات الفقيرات. ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما ورد في وقف الأميرة فاطمة بنت الخديوي إسماعيل في سنة 1910 بخصوص «مدرسة البرنسيسة فاطمة» بمدينة المنصورة، المعدة لتعليم البنين والبنات، «وكل من تزوجت من التلميذات يصرف لها عشرون جنيهاً مصرياً، مساعدة لها على مهرها، وذلك صدقة على روح حضرة الواقفة».
وأنشأت السيدة «دلبروت هانم شكري» مدرسة وقفتها على تعليم البنات، ووقفت مساحة 120 فداناً ليصرف ريعها على شؤون تلك المدرسة، واشترطت أن تتعلم فيها «البنات اليتيمات الفقيرات من سن سبع إلى اثنتي عشرة سنة، بحيث لا يقل عدد من يقبل منهن عن خمسين بنتاً».
وقد ظهرت مثل هذه المدارس في الأقاليم كذلك، لا في القاهرة وحدها، بما في ذلك جنوب الصعيد، ومن ذلك «مدرسة البنات الخيرية الإسلامية» واهتمت الوقفيات بالصنائع والفنون، كوقف الأمير حسين كامل بالبحيرة في سنة 1908، لإنشاء مدرسة صناعية للأولاد، بينما أنشأ الأمير يوسف كمال «مدرسة الفنون الجميلة» في درب الجماميز، ووقف عليها مساحة 127 فداناً من الأطيان وعدة عقارات بالإسكندرية، ونص في حجة وقفه على أن يُصرف الريع «فيما يلزم لتدريس وتعليم 150 تلميذاً، يكون الثلثان منهم من المصريين والثلث من الأجانب، بدون التفات للجنسية والدين، ويكون تعليمهم مجاناً، بغير استثناء، العلوم العصرية التي منها الخطوط العربية، وعلم الحساب، وأشغال العمارات، والتصميمات والرسومات، والنقوشات البارزة، كما اشترط أن يقوم بالتدريس مدرسون من فرنسا وإيطاليا».
وكان الوقف أحد مصادر دعم مشروع الجامعة المصرية في مطلع القرن العشرين، وقد اجتذبت فكرة انشاء الجامعة انتباه عدد من كبار الملاك، كان على رأسهم «مصطفى بك كامل الغمراوي» من أعيان بني سويف، الذي اقترح انشاء الجامعة رسمياً في أكتوبر 1906، وافتتح الاكتتاب لها بمبلغ 500 جنيه، وعلى إثر ذلك انعقد اجتماع في منزل سعد زغلول واكتتب الحاضرون بمبلغ 4585 جنيهاً، ثم اجتمعت جمعية المكتتبين مرة أخرى في ديوان عموم الأوقاف برئاسة الأمير أحمد فؤاد وسموها «الجامعة المصرية»، وقررت لها الحكومة المصرية إعانة سنوية قدرها 2000 جنيه، كما قرر لها ديوان عموم الأوقاف إعانة سنوية قدرها 5000 جنيه بتوجيه من الخديوي عباس، ثم توالت التبرعات فكانت وقفية الأميرة فاطمة أكبرها، حيث وقفت في سنة 1913 مساحة قدرها 674 فداناً من الأطيان الزراعية بمديرية الدقهلية ليصرف ريعها على الجامعة. وفي سنة 1914 بلغت مساحة الأراضي الموقوفة على الجامعة 1028 فداناً ريعها السنوي حوالي ثمانية آلاف جنيه.
هذا في مصر، فماذا عن الدول الإسلامية الأخرى وأوقاف النساء فيها؟!
هل قام أحد بدراسة توجهات الأوقاف النسائية في المنطقة الخليجية ودولة الكويت، وبخاصة بدعم من الجمعيات النسائية أو إحدى الشخصيات أو كلية الشريعة أو غيرها؟ فالجميع يعرف دور المتبرعات من نساء الكويت في المشاريع الخيرية، كما أن بعض الشخصيات النسائية تتولى اليوم مسؤوليات قيادية في هذا المجال، ولكن ماذا عن توجيه التبرع النسائي إلى مجالات التعليم والمكتبات والخدمات الاجتماعية وغيرها، وعدم الاكتفاء بالمجالات المعروفة؟!.
ولماذا لا تسند وزارات الأوقاف إلى النساء في العالم الإسلامي؟.