الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

إذا أردنا الارتقاء بالنساء فلنعاملهن كالرجال

  • 1/2
  • 2/2

آفيفاث ويتنبرغ كوكس - " وكالة أخبار المرأة "

هل هناك اختلاف بين الرجال والنساء؟ رغم أن كلّ مدير تنفيذي قابلته في حياتي تقريباً في كل أنحاء العالم يجيب عن هذا السؤال بنعم، إلا أن معظم سياسات إدارة التنوّع في مكان العمل مصمّمة وكأن الإجابة هي كلا.ففي الأسبوع الماضي، قالت لي المديرة العالمية لإدارة التنوّع في واحدة من أكبر شركات الاستشارات المتخصّصة في العالم بأنها “لم تكن تريد بأن تُعامل بطريقة مختلفة.” فما كان منّي إلا أن قلت لها بأن ذلك هو السبب الذي يجعل معظم شركات الاستشارات المتخصّصة تحوم دون مستوى العشرين في المئة من حيث نسبة مشاركة النساء في المناصب العليا. فطالما أن الرجال والنساء يتلقون المعاملة ذاتها تماماً في المؤسسات، فإن معظم النساء ستبقى محرومة من تسلّم المناصب القيادية العليا.
ومع ذلك، وخلال السنوات الثلاثين المنصرمة، لطالما قيل للمدراء بأن يفعلوا ذلك تماماً، أي أن يعاملوا الرجال والنساء بذات الأسلوب تماماً. فهذا يُعتبر الطريقة التقدّمية في العمل. وأي اقتراح بوجود اختلاف بين الجنسين كان، ولازال على الأغلب، يُنظر إليه بوصفه تحيّزاً أو صورة نمطية، وخاصّة من قبل العديد من النساء اللواتي يشعرن بتوق كبير إلى أن يُظهرن بأنهنّ صنو الرجال وبأنهنّ ينتمين إلى المجموعة.
لكنّ حالة الإنكار التي تسود عالم الأعمال والشركات بخصوص هذه الاختلافات تضرّ بالنساء وتقود إلى إقصائهنّ بطرق كثيرة جدّاً عن مواقع القيادة، سواء عن وعي أو دون وعي. وبما أن هذه الاختلافات غير مُعترف بها، فإن النساء يُحكم عليهن ببساطة بأنهن “غير مناسبات” للأنظمة والأساليب والأنماط المسيطرة على عمل المجموعة. نعم، لقد كانت هناك أسباب وجيهة في الماضي للدفع باتجاه المعاملة المتشابهة مع الجنسين، كما أن القوانين المطبّقة في العديد من الدول تعتبر هي الأساس الذي يجعل العديد من شركات اليوم تصرّ على المعاملة المتشابهة للرجال والنساء – فمعاملة المرأة على قدم المساواة مع الرجل في نهاية المطاف أفضل من معاملتها بشكل أسوأ. أمّا اليوم، فلم تعد هذه هي خياراتنا الوحيدة. لقد حان الوقت لكي تتأقلم الشركات مع المرأة – وإلا فإنها ستخسرهن لصالح الشركات المستعدّة لأخذ هذه الخطوة. ففي جميع الشركات التي أعمل معها، يعتبر عدم إدراك الفروق الأساسية الموجودة في دورة الحياة المهنية للرجال والنساء، أو أسلوب تواصلهم، أو نظرتهم إلى السلطة سبباً كافياً لاستبعاد أحد الجنسين وتفضيل الجنس الآخر.
فعندما تُقلب الأدوار، أي عندما تصبح النساء هنّ المجموعة المهيمنة، فإن الجهل بالفروق بين الجنسين سيضرّ بالذكور أيضاً. هذا ما يخلص إليه مايكل تومسون، أحد أبرز الخبراء الأمريكيين بنفسية الفتيان ومؤلف كتاب “تربية قابيل”. فقد قال في خطاب ألقاه مؤخراً في معهد تشاتوكوا، بما أن ثمانية من أصل كل تسعة مدرّسين أمريكيين هنّ نساء، فإن المدارس اليوم تعتبر أسلوب التعلّم لدى الفتيان أدنى من المستوى المطلوب بما أن هؤلاء الفتيان يبتعدون عن المستوى الذي تحدّده النساء والفتيات. وعوضاً عن أن نتكيّف مع الفروق الموجودة لدى الفتيان (“الذين يمتلكون طاقة جسدية أكبر، ويعتبرون أقل نضوجاً من الناحية النمائية، ويستعملون اللغة استعمالاً مختلفاً،” كما يقول)، فإننا نصرّ على أن كلا الجنسين لديهما الخصائص ذاتها، ونحاول تقديم الأدوية العلاجية لأبنائنا الذكور لكي نهدّئهم. فوفقاً لتومسون، 11% من الفتيان في أمريكا لديهم تشخيص طبي يقول بأنهم في حالة من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط ، وتوصف لهم الأدوية جرّاء ذلك. وهذا يشكّل 85% من استهلاك أدوية اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط في العالم. ومنذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، كان احتمال تسرّب الفتيان من المدارس أعلى من احتمال تسرّب الفتيات. وهذه الحالات المشابهة من التوازن المختلّ هي ما يفسّر هذا الاختلال المتنامي في التوازن بين الجنسين في التعليم العالي (حيث أن 60% من خرّيجي الجامعات سيكّن من النساء قريباً في الولايات المتّحدة).
ونحن هنا نخلق حالة تتّسم بالمفارقة، فنحن لدينا نظام تعليمي ينتج غالبية من الخريجات (فغالبية خريجي شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في أمريكا هنّ من النساء الآن) ويرسلهن إلى النظام الاقتصادي الذي لم يتأقلم بعد، والذي لازال يعتبر الأساليب الذكورية هي الأساليب المتفوّقة والأفضل وهو يروّج لها.
نحن لا نقصد القول بأنّ النساء في مكان العمل أو الفتيان في المدارس بحاجة إلى “معاملة خاصّة”. وإنما يكمن الأمر في أنّ كل مؤسسة تسعى إلى المحافظة على الجدارة القائمة على الأداء الرفيع. لكن المقياس الأبسط والأكثر أساسية لذلك، والقائل بأن كلا الجنسين ينجحان بصورة متساوية، يظل مقياساَ خادعاً ومحيّراً. وما نراه عوضاً عن ذلك هو أن قادة هذه المؤسسات يضعون أنظمة تكون أميل إلى خياراتهم الذاتية المفضّلة دون أن يعوا ذلك، وهم مقتنعون بأن جنس الشخص غير مهم.
وبالمناسبة، أنا لا أدّعي هنا بأن الفروق بين الجنسين فطرية. فموضوع فطرية الفروق غير مهم في سياق النقاش الحالي. فالشركات أيضاً لا تناقش ما إذا كانت الفروق بين الموظفين الصينيين والأمريكيين هي فروق فطرية. لكنّ هذه الشركات تعلم بأن العمل مع الصينيين ولصالحهم يتطلّب تعلّم لغتهم وثقافتهم. والعمل مع الجنسين مشابه أيضاً. وهذا يعني بأن الشركات والمدراء، وكذلك المدرّسين والتربويين، سيحتاجون إلى تعلّم الفروق الحقيقية والفروق المُتخيّلة بين الجنسين – وأن يتكيّفوا معها إذا أرادوا أن يعملوا مع النساء والرجال على حدّ سواء وأن يخدموا مصالحهم. وهم بحاجة وبصورة عاجلة إلى أن “يتقنوا لغتي الجنسين” إذا ما أرادوا الاستفادة من مجموعة المواهب المتاحة هذه الأيام.
في قطاع التعليم، هذا لا يعني إنشاء مدارس مخصّصة للفتيان فقط، لأن ذلك لا يتعامل مع التحدّي المتمثّل في كيفية تعلّم الجنسين بأن يتعلّموا معاً. وفي قطاع الأعمال والشركات، هذا لا يعني الاستمرار بالعمل بنظام الشبكات والبرامج الإرشادية المخصّصة للنساء فقط، لأنّ هذا الأمر لا يتعامل مع التحدّي المتمثّل في كيفية تعلّم الجنسين بأن يعملوا معاً بفعالية. كما أن ذلك لا يعني تطبيق البرامج التدريبية التي تصرّ على أننا جميعاً متشابهون، وأن العائق الوحيد هو وجود التحيّز. (لا شكّ في أن التحيّز يُعتبر مشكلة، بطبيعة الحال، لكنّه أبعد من أن يكون المشكلة الوحيدة).
وهذا لا يعني دفع القادة إلى إعطاء الأولوية للتوازن بين الجنسين وإلى الاطلاع على أنماط الثقافات والأنظمة التي تساعدهم في تحقيق هذا التوازن، وكذلك أنماط الثقافات والأنظمة التي تقضي على هذا التوازن.
فكيف يكون الأمر إذن؟
القيادة القوية: أي أن يكون هناك التزام واضح من قبل المستويات القيادية العليا باعتبار التوازن بين الجنسين أولوية استراتيجية في المؤسسة.
الالتزام من قبل القيادة: وجود فرق متجانسة من القيادات العليا تكون متقنعة بضرورة التغيير ومؤهلة لقيادته.
القيادة التي تمتلك المهارات الضرورية وتكون خاضعة للمساءلة: أي أن يكون هناك قادة يمتلكون المهارات المطلوبة في ممارسة الإدارة بطريقة تأخذ الفروق بين الجنسين بعين الاعتبار، وأن يركّزوا على هذا الأمر بوصفه قضية ذات أولوية بالنسبة للمؤسسة.
لقد كان إنكار الفروق بين الرجال والنساء (أو الفتيان والفتيات) مرحلة مفيدة كان لا بدّ لنا أن نمرّ فيها. وهي ما ساعدنا على الوصول إلى ما وصلنا إليه. ولكن بما أن واقع النوع الاجتماعي (أو “الجندر” أي جنس الإنسان) قد تغيّر، فإن مقاربتنا إليه يجب أن تتغيّر أيضاً. وبالتالي يتعيّن على المدراء، سواء كانوا من الرجال أو النساء، أن يتبنّوا وجود هذه الفروق وأن يساعدوا الجميع في النجاح.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى