الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

التسامح ضد التسامح !

  • 1/2
  • 2/2

الكاتبة الصحفية: فاطمة المزروعي -الإمارات العربية المتحدة- خاص بـ "وكالة أخبار المرأة"

نمتلك قيما نبيلة متوارثة عن الآباء والأجداد، وهي من صميم ديننا وتربيتنا، ومن لبّ عاداتنا وتقاليدنا.
لعل من أهم هذه الخصال النبيلة التسامح، وتحمل لنا الذاكرة الشفوية الكثير من القصص التي ساد فيها التسامح، ومن قيمة التسامح تتفرع قيم أخرى تتبعه، فبالتسامح تنتشر الرحمة والعفو ويسود العدل، وبه تقوى قيم المساواة والإنصاف، وتنتشر حرية الرأي وتقبل الآخر.
التسامح قيمة مهولة وكبيرة لا تتوفر في أي مجتمع وتنتشر فيه زواياه إلا وكانت النتيجة الحتمية قوة وتفوقاً في الإنتاج وتميزا لهذا المجتمع، لأن قيمة التسامح عندما تسود تلغى الطبقية والمخاوف وتنتشر حرية العمل والتفكير ويبدأ العقل الإنساني بالتفرغ للتفكير في كيفية التطور؛ فالأساسيات الحياتية تم حسمها، والأساسيات هي الأمان والأمن الفكري، ولن يتحقق أمن حياتي أو فكري من دون التسامح.
ورغم وهج قيمة التسامح وأثرها العميق الكبير، إلا أنه لا يمكن إطلاقه وترك العنان له دون حواجز وضوابط وقيود – نعم لا يمكننا التسامح دائما – والسبب ببساطة متناهية أن التسامح المفرط قد يدمر قيمته ومن ثم قد يدمر المجتمع الذي ينتشر فيه، بمعنى أن تسامحنا مع التطرف، ومع الأفكار الشاذة التي تحاول إلغاء الآخر بل القضاء على التسامح نفسه، هؤلاء يجب أن لا يتم التساهل معهم وترك العنان لهم كيفما أرادوا، يتحدثون وينشرون خطاباتهم التي تحمل الكراهية والبغض للآخر، لعل في كلمة للدكتور كارل ريموند، والذي يعد من أهم المؤلفين في فلسفة العلم في القرن العشرين، وخاصة في الفلسفة الاجتماعية والسياسية، دلالة وتوضيح للقصد حيث يقول: " سيقودُ التسامح غير المشروط حتمًا إلى اختفاء التسامح نفسه، ففي حال مدّدنا تسامحنا غير المحدود لیشملَ حتى أولئك المتعصِّبین، وإن لم نكن مستعدين للدفاع عن مُجتمعنا المتسامح ضدّ مخالب المُتعصِّبین، فسنكون بذلك قد دّمرنا حتى المُتسامح وتسامحُه معهم، ولذلك فعلينا أن نُطالبَ باِسمِ التسامح- الحقَّ في عدم التساهُل مع المتعصِّبین، علينا أن نُطالب باِعتبارِ أيِّ حركةٍ تَعظُ بالتعصُّب خارجةً على القانون، وعلينا اِعتبارُ التحريضِ على التعصُّب والاضطهادِ جريمةً، تمامًا مثلما نعتبرُ التحريضَ على القتل، أو على الاختطاف، أو على الدعوة إلى الرجوع للمُتاجرةِ بالعبيدِ جريمة".
وطبيعة الحال أن لدينا في هذا العصر الكثير من الشواهد الماثلة لتسامح بعض المجتمعات وتقديمها لتسهيلات لبعض المتطرفين ومنحهم مساحة للتحرك والقاء خطاباتهم ثم شاهدنا كيف انقضوا على مجتمعاتهم مدفوعين بنار التطرف والكراهية، هذه الحركات لا يمكن بأي حال من الأحول التساهل معها بحجة التسامح وقيم الحرية وسماع الطرف الآخر، لأن هؤلاء ضد الإنسانية ضد الحياة، ولو قدر لهم وأمسكوا بزمام الأمور فإن أول ما سيفعلونه هو قتل التسامح والقضاء على الحريات، ولعل في داعش والقاعدة وغيرهما خير مثال.
نحن أمام قيمة عظيمة لا نحتاج للتبشير بها، يكفي أن نستمد من تراثنا وقيم الآباء والأجداد المواقف والقصص التي تدل عليها، وأيضاً من ديننا الحنيف، لذا لا نريد من أي حركة سياسية أو حتى اجتماعية أن تزعم أنها تنادي وتدعو لنشر قيم التسامح، نحن نعرفه بل هو مغروس في وجداننا، ونعرف أين يتوقف، ومن الذي يهدد قيمنا ومبادئنا، ويريد النيل منها.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى