لا نجاة للنساء السوريات من براثن حرب جعلتهنّ ضحايا النظام والمجموعات المتمردة على حد سواء، كما جاء في تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش العام الماضي. فالسوريات تعرّضن خلال سنوات النزاع الأربع للاعتقالات العشوائية والتعذيب والاغتصاب والتحرش والتمييز. وهنّ يشكّلن اليوم العدد الأكبر من اللاجئين الذين ينتظرون في بلدان الجوار، ومن بينهن الحوامل اللواتي ترعاهن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان، على بعد بضعة كيلومترات من الحدود السورية.
في وسط مدينة بعلبك على بعد كيلومترات من سوريا يستقبل كل من الصليب الأحمر والهيئة الطبية الدولية (بدعم من دار الفتوى السنية) اللاجئات السوريات الحوامل في مراكزهم.
الدكتورة ابتهاج خليل التي تعتني بالحوامل وتستقبل شهريا نحو 200 امرأة (90% منهنّ سوريات) لإجراء المعاينات الطبية في المركز الطبي حيث تعمل منذ 17 عاما، تقول عن هؤلاء النساء: "إنهنّ من كل الطبقات الاجتماعية، لكنهنّ في معظمهنّ فقيرات وضعيفات".
وتتابع قائلة: "منذ بداية الحرب في سوريا تضاعفت أعبائي في العمل ، فاللاجئات يعرفن الآن القسم، وغالبا ما يعانين من القلق والاكتئاب. يحضرن برفقة نساء أخريات، الأخوات أو الأمهات أو الحموات لكن من النادر أن يرافقهم الرجال لأنهم يخجلون من المجئ إلى هنا".
ظلال الموتى
تأتي النساء إلى المركز منذ بداية الحمل للكشف وأحيانا لإجراء فحص الحمل، ما من مشاكل كبرى تعاني منها اللاجئات السوريات أثناء الحمل، والمشكلة هي أنّهنّ يحببن كثرة الأطفال حتى وإن لم تكن لديهنّ الإمكانيات. ففي رؤوسهن فكرة إعادة تعمير سوريا بالسكان بعد موت الكثير. أصغر الفتيات اللواتي أراهن في عيادتي في الثالثة عشرة من العمر، ومريضاتي أمهات لثلاثة أو أربعة أطفال، لكن في بعض المرات توجد أسر مكوّنة من عشرة إلى اثني عشر فردا.
توضح منى كيوان المسؤولة عن الصحة في المفوضية السامية لشؤون اللاجئين قائلة: "يحق للنساء زيارة الطبيب أربع مرات وإجراء تصويرين بالموجات الصوتية على حساب المفوضية، وليس عليهن إلا سداد مبلغ ثلاثة آلاف ليرة لبنانية (1.5 يورو) لكل زيارة طبية".
سجّلت مفوضية شؤون اللاجئين 1883 حالة ولادة في لبنان منها 560 في البقاع. "هناك حالات قليلة لوفيات الأطفال، لكن تكثر حالات الولادة قبل انقضاء فترة الحمل بسبب ظروف الحياة. كما أن هناك مشاكل الالتهابات البولية بسبب شح المياه والمشاكل الوراثية الناتجة عن قرابة الدم" كما تقول منى كيوان. ويقدّم المركز العلاج قبل الولادة وبعدها كما يوفر الوقاية من الأمراض وقد أبدى أعضاء الفريق ارتياحهم لتزايد طلب النساء لموانع الحمل من حبوب و لوالب و عوازل ذكرية".
يبقى أن تكاليف المواصلات تدفعها النساء اللواتي يأتين أحيانا من أماكن بعيدة. أما لمن لا تستطيع التنقل فهناك عيادات متحركة فيها قابلات يذهبن إلى المخيمات حيث حالات الولادة قليلة كما يتم توفير الكثير من المعلومات لتوعية النساء.
تعمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في منطقة البقاع في شراكة مع 18 مستشفى ومنها مستشفى الريّان منذ مايو-أيار 2013 وهو على مسيرة عشر دقائق من مركز مدينة بعلبك، وقد التقينا فيه زهرة (29 عاما) التي وضعت طفلها الثامن رشا.
"العناية الطبية أفضل هنا"
الصغيرة رشا هي أول مولودة لزهرة في لبنان وقد وضعتها بعملية قيصرية، وهي تقول: "أجريت ثلاث معاينات قبل الولادة، وقد تمّت الولادة على ما يرام في لبنان، لكنني كنت أفضلها في سوريا، فهي وطني". كانت زهرة قد وصلت من حماة منذ ستة أشهر، ومع ذلك أبدت سرورها وهي تقول: "العناية الطبية هنا أفضل".
على الفراش المجاور نجد حياة (22 سنة) وقد أنجبت طفلها الثاني. أجرت المرأة الشابة القادمة من حلب أربع معاينات عند الطبيب هنا قبل ولادتها، مولودها في العناية المكثّفة لأنه يعاني من مشكلة في قلبه. ويوضح المدير العام للمستشفى ورئيس قسم التوليد الدكتور علي شفيق عبد الساتر قائلا: "تدفع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين 75% من تكلفة العلاج المتأتية عن التعقيدات الصحية. وغالبا ما تسدد الباقي إحدى المنظمات غير الحكومية وهذا يتوقف على الحالات الطبية وعلى الوضع الاجتماعي للاجئين".
تمثل السوريات 75% من جملة النساء اللواتي يلدن في مستشفى الريّان، وتبقى الأمهات 24 ساعة قبل خروجهن إلى شققهن أو إلى مخيماتهن. وتطمئننا حياة وهي تقول مبتسمة بأنها لا تريد طفلا آخر قريبا. لكن الدكتور يؤكد قائلا: "هذا ما تقوله الآن، فهي ولدت قبل قليل، وبالتالي تقول إنها لا تريد طفلا آخر. لكن ارجعي بعد 24 ساعة فإنها ستكون راغبة في ولادة طفل آخر".
ويضيف في حيرة: "هؤلاء النسوة لا يردن منع الحمل ويرفضن حتى ربط قناتي الرحم بعد العديد من حالات الحمل. لقد رأيت مريضة كانت في عمليتها القيصرية التاسعة وهذه حالة خطيرة للغاية! إنّ المسألة ثقافية، فهناك أيضا فكرة أنهن يحتفظن بأزواجهن إذا منحنهن كثيرا من الأطفال".