لفتت انتباهي في الفترة الاخيرة صفحة تم اطلاقها عبر موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” تحت اسم “Feminists of Jordan” وللأمانة فقد كنت قررت ان اكتب عنها منذ مدة طويلة، ولكن دوما كنت افكر ان اصل لدرحة القناعة الشبه تامة بما تنشره الصفحة التي تعرف عن نفسها بأن هدفها المساواة في توفير فرصة عادلة للجميع، بعيدا عن الفكرة الجندرية او صور الاختلاف في العرق أو الطبقة الإجتماعية، ومؤخرا راقت لي كل الافكار التي تطرحها الصفحة، مع بعض الملاحظات التي دائما ما كانت تستفزني في طريقة عرض الفكرة.
عند مطالعتي لبعض الاراء التي ترد على المواضيع المنشورة، استغرب تماما من هذا “الانفصام” الذي نعيشه في الأردن وكذبة “الانفتاح” الذي نروج له دوما، واتذكر في كل مرة مقولة دائما ما كنت اسمعها من قبل ولا اعرف كاتبها “معظم الرجال في مجتمعنا مع حريّة المرأة .. ما دامت ليسَت فرداً من عائلتهم!” واكاد اتأكد من ان هذه الفكرة هي الفكرة السائدة في مجتمعنا، فاغلب المؤيدين لحرية المرأة والمساواة والانفتاح الحضاري هم مجرد ابواق تصرخ عبر مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الورقية والندوات التنظيرية ليس أكثر، وفي واقع حياتهم أكثر بؤساً من رجال الجاهلية في نظرتهم للمرأة.
واما من ينادون باسم الدين، فالاديان جميعا لها نظرة -في رأيي- دائما ما يتم تفسيرها بالصورة السلبية والتي تقترب من الجحيم أكثر من قربها من النعيم، وان المرأة عورة وأن المرأة ضلع قاصر، ويبتعدون كل البعد عن الايجابيات العديدة والجميلة التي صور الله بها المرأة في مختلف الكتب السماوية، الدين اصبح بين رصاصة الارهاب ورصاصة النظرة الاجتماعية، لذلك يقول علي شريعتي “اشفق على الفتاة حين تسوء سمعتها .. فهي لاتستطيع ان تربي لحيتها .. لتمحي تلك الصورة” فالدين اصبح ظاهر يمسح كل خطايا الرجل اذا ما اطلق لحيته مثلا، واما المرأة فلا حيلة بيدها .. فهل هناك دين في التاريخ يقبل بهذه الصورة؟ بكل تأكيد لا؛ فالله “العادل” الذي خلق الرجل والمرأة لن يسمح بهذه الفكرة.
المطالبة بحرية المرأة في الأردن، قد يكون تعدى بشكل كبير الجوهر من القضية، المطالبة اليوم أغلبها ما تقتصر على المطالبة بحرية اللباس والزينة، وانا ارى انها اهانة للمرأة اذا ما قررنا ان حريتها تقتصر في هذه الناحية، اما حرية المرأة الحقيقية والتي يكمن جوهرها في حريتها بالاختيار والتفكير والحياة فلم يعد ذات اهتمام بمن يعملون على هذه القضية، جميل ان يكون هناك منصات عبر الاعلام المجتمعي لرصد افكار الناس حول هذه القضية، ولكن المشكلة الاكبر انا نتحدث عن اراء “افتراضية” لا يمكن قياسها على ارض الواقع، فكيف لي ان ارى هذا الحجم الكبير من الدعم للمرأة عبر هذه المواقع، وفي المقابل ارى رقم أكبر بكثير عن العنف ضد المرأة في الاردن في اخر ثلاث سنوات، هل الرجال الذين يرتكبون هذه الجرائم هم من كوكب المريخ مثلا!
علينا ان نعترف بخطايانا، بدلا من رسم الصورة “الافتراضية” الجميلة على أننا قوم نقدس المرأة ونبجلها، وعلينا العمل من جديد على انفسنا، فقبل الخروج للمجتمع والمطالبة بحرية المرأة، مارس هذه الطقوس ببيتك وبين عائلتك أولا واجعل المرأة التي تربطك بها علاقة ما ان تكون هي الصورة الافضل على انك رجل حر لك ولها، المراة الأردنية تستحق الدعم لتكون صورة جميلة للبلاد، ولكن على ارض الواقع وليس فقط في العالم الافتراضي عبر منصات الاعلام المجتمعي.