جاء في كتاب الأمالي لأبي علي القالي، أن النساء في الجاهلية كن يطلقن الرجال، وكانت لهن بيوت من شعر، فكان ذلك لا يتطلب من المرأة سوى أن تغير موقع باب بيتها فتجعله في الجهة المقابلة لجهته التي كان عليها، فإذا كان الباب في اتجاه الشرق جعلته في اتجاه الغرب، ومتى جاء الرجل ورأى الباب وقد تغير مكانه، عرف أن زوجته قد طلقته !!
هذا الخبر الذي يرويه القالي في كتابه الأمالي الصادر في القرن التاسع للهجرة، يثير التساؤل حول عدم انتشاره وذيوعه في باقي الكتابات والأخبار، فغالبا معظم ما يرد من اخبار وقصص في محتوى تراثنا العتيق، سواء كان مكتوبا أو شفاهيا، هو عن تطليق الرجال للنساء وما يقع على بعضهن من ظلم أو أذى بسبب ذلك، فهل هذا الخبر كاذب ؟ أم هو وارد في مجال الشواذ التي لا تتكرر !!
أهم من هذا، كيف استطاع المجتمع العربي في الزمن القديم التوافق مع عادة تطليق المرأة للرجل بهذه البساطة ؟ وكيف كانت النظرة إلى ذلك ؟
عيب الكتب الحاوية للأخبار والروايات أنها في أغلبها تكتفي بإيراد الخبر أو القصة ولا تعطيك تحليلا ولا تعليلا لما تورده من حكايات !
مثل هذا الخبر يبعث على المقارنة بين حرية المرأة في العصر الجاهلي في اتخاذ قرار البقاء أو الخروج من الارتباط الزوجي، وبين ما يقيد نساء هذا الزمان من السلاسل والأغلال التي تشل أيديهن عن القدرة على إنهاء الرباط الزوجي متى لم يرغبن في استمراره.
قضية الزواج والطلاق في حياة المرأة تبعث على الإشفاق عليها أحيانا من بعض الأنظمة، سواء كانت اجتماعية أو وضعية مفروضة بالقوة، وأحيانا أخرى تبعث على الغيظ والغضب. فالمرأة تدخل إلى عالم الزواج مقادة برغبة رجل، (قد يكون أباها أو جدها أو أخاها أو عمها)، لكنه في كل الحالات لا يمكن لها الدخول إلى عالم الزواج إن لم يسمح لها هو بذلك. في أفضل الحالات يمن عليها أنه لا يرغمها على زواج لا تريده.
فالمرأة مقيدة الخطو نحو الدخول إلى الزواج، ثم متى عتبت بقدمها إلى حياض ذلك العالم الجديد، أغلق باب الخروج خلفها فلا يمكنها فتحه إلا برضا الرجل، وفي هذه المرة يكون الرجل هو الزوج الذي أدخلت إلى حياضه !! يغلق الزوج باب الخروج باقفال محكمة الإغلاق ويحتفظ بالمفتاح في جيبه مطمئنا إلى أن الطير الحبيس لن يغادر القفص دون رضاه.
تدخل المرأة عالم الزواج بإرادة رجل، وتخرج منه بإرادة رجل، أما إرادتها هي، فنسيا منسيا، وعليها ان تلتمس الوسائل المختلفة للنبش عنها والتذكير بها !!!
أن تختار المرأة بمحض إرادتها زواجها أو طلاقها، عليها أن تخوض حربا طويلة وشرسة مع الحراس الذين يقفون عند باب الدخول أو باب الخروج، واذا كان المثل العامي يقول (دخول الحمام مش زي خروجه)، فإن حال المرأة مع حمام الزواج أسوأ، فبالنسبة لها الدخول إليه والخروج منه، سيان في الصعوبة.