أستيقظ العملاق النائم في قلبها ليرقب همسات الياسمين كل صباح وهي تداعب قطرات الندى معبرة عن الحب الكبير الذي يجمعهما مع بزوغ الفجر وشروق شمس يوم جديد معبرة عن الشكر لما منحها الله إياه من نعمة الحياة والبقاء ،كان مسبحا لله بكرة وأصيلا ،موحدا للخالق الجبار سبحانه وتعالى ،كان مصليا متعبدا في صومعة الطبيعة الرائعة ،منذ الصباح عانق قطرات الندى كي يغسل عنها همومه الماضية مرحبا بالقدر المكتوب ،مستسلما للهواء الذي يغازل أغصانه كي يبعثر شذى عطره في أرجاء الأرض لمن حوله ،أرادت أن تكون مؤثرة وتصمم قصص العشق والحب والعطاء للندى الذي جف عطاءها لها بعد أن إعتادت عليه الياسمين ليعلن بصوت عال أنه سيغادرها راحلا إلى مرتع خصب ألفه ظنا منه أن الشمس لن تحرقه إذا غادر الياسمينة التي منحتها الفيء والظلال على مدار فصول مضت من حياتهما معا ،كن الحب على موعد ما يجمعهما على الحب والسلام ،أراد الندى أن يكون صاحب بصمه واضحة بحياة الياسمينة و له أثر إيجابي بحياتها ،لكنه أصر على إحباطها وخنقها دون إنتفاضة أو شغب ولم يعلن الثورة المتوقعه غادرها خشية الجفاف وهو يعلم أنه ربيعها الدائم ، رغما عنها قطع جذورها من أرضها وجفت أغصانها ،وبعثرت أزهارها الربيعية المتفتحة كل صباح بعد أن ينعشها الندى بصباحاته الرطبة ويمنحها الظلال والشذى الساحر الرائع،
لكنهم اتهموها بالتمرد لإنها معطاءة تمنح الحب لمن حولها كان الحقد الدفين الذي اجتاح الندى سببا في قرار اقتلاعها من جذورها،أراد الندى أن يحرمها لذة العطاء ،وطعم الوفاء والإخلاص ،حرمها من الحب الذي كانت تقدمه للجميع بزهراتها البيضاء التي تتألق بالربيع فرحا لتملئ الكون عبيرا رائعا دون أن تنتظر مقابل ذلك .
أراد الندى أن يفتل الإبداع فيها فقتل الحياة الجميلة التي تعودت عليها وألفتها من الندى ،بعد إرتفعت حرارة الجوا حبسوا عن الندى الغيث والرطوبة وفقد الماء التي كان بروي عطشه من حر الشمس التي غازلها مطولا رغم أشعتها الحارقة ،فلم تصرخ ولم تصدر جلبة بالأرجاء،صمتت وأستسلمت وتهاوت على الأرض مثل بطل ثمل من فقدانه الأمل بالحياة والسلام ،وقد ملت الياسمين من مزاجية الندى وتنقله بين البساتين والأشجار والأزهار الأخرى ،فأعلنت تمردها عليه وأمتدت إلى أسطح جيران أحبوها لإنصاف ليستمتعوا بشذاها وتعاملت مع الجميع دون تمييز بين حبيب أو غريب يتناغم بعبق عبيرها الساحر كل من لم يألفوا معنى العطاء طواعية دون مقابل ،بقيت تنتظر الأمل ولكن الندى رحل بلا عودة فجفت أغصانها وبعد أن جزت أوراقها وأزهارها ،وبقيت أزاهيرها العبقة بالحب تردد بحزن أنا كائن حي خلقت من أجلكم أمنحوني الحب الحق بالحياة مثل غيري،لماذا تقطعون أوصالي وبراعم الحب بزهري الأبيض الساحر المتميز بجمال شذاه الرائع ،سمعتها الرياح فحملت صوت زهر الباسمين لتغني لحنا الوداع الأخير مع حفيف الأشجار مرددة أنا الياسمين أنا الحب المكين لكم أنا الأمل للوفاء للحياة طول السنين ،لماذا تقتلون جذوري ،لم تفرقون أغصاني؟؟هز الصمت الطبيعة وهي ترقبهم عن كثب وهي صامتة فهرعت لتنقذ الياسمين بحب جديد لطبيعة خلابه لا تعرف الخيانة وتعشق وجود الندى والياسمين معا فتمايلت الأشجار لتحمل أغنية الياسمين عود أيها الندى فحيك الأول والأخير يكتمل بوجود الياسمين ،فتجمعت قطرات الندى مبللة أوراق الياسمين لتعود للحياة من جديد كتوأمين ولدا في رحم الطبيعة منذ سنين