إن تكريم منظمة الشبيبة الاستقلالية للبطلة الأولمبية المغربية في مسابقة رمي القرص نجاة الكرعة خلال الدورة السابعة لليلة الرواد يوم الجمعة 23 يونيو 2015، وقبله تكريم العديد من الرياضيات المغربيات خلال الدورات السابقة كالبطلة العالمية نزهة بدوان...، جعلني أفكر رفقة قلمي في كتابة مقال حول المرأة الرياضية المغربية والإكراهات التي تواجهها والآفاق المستقبلية لهذه الفئة من النساء ببلادنا.
لقد تعددت إبداعات المرأة المغربية في العديد من المجالات الحياتية، سواء تلك التي تعتبر ثقافيا واجتماعيا من اختصاصاتها كالتربية والطبخ ...أو تلك التي كانت إلى وقت قريب حكرا على الرجل والمرتبطة أساسا بالعمل خارج المنزل؛ كالعمل في أجهزة الأمن والفلاحة والسياقة والهندسة والقضاء...وممارسة الرياضة.
إن ولوج المرأة المغربية للممارسة الرياضية، أمر كان ولا زال في غاية الصعوبة، فإذا كانت بعض الأسر استطاعت بفضل الانفتاح الذي يعرفه مجتمعنا على الثقافات الأجنبية، السماح لبناتها بممارسة بعض الأشكال الرياضية بشكل احترافي، فإن غالبية هذه الأسر ما زالت تحكمها العادات والتقاليد وتكبلها رؤية المجتمع للمرأة الممارسة للرياضة على اعتبار أن طبيعتها الأنثوية لا تناسب أغلب أصناف الرياضات.
إذا ما صح القول أن بلادنا عرفت خلال السنوات الأخيرة نهضة على مستوى الممارسة النسائية للرياضة، فإن الفضل يرجع بالأساس إلى الأنشطة الرياضية المدرسية والجامعية على قلة المؤسسات التي تتوفر على فضاءات لممارستها وعلى بساطة المعدات والتجهيزات الرياضية بمختلف هذه المؤسسات التعليمية، إلا أنه كان لها الفضل في ترسيخ ثقافة الممارسة الرياضية بين الفتيات والنساء ولو بنسبة ضعيفة.
فإذا كانت المدرسة الخصوصية تتوفر اليوم في غالبيتها على ملاعب وفضاءات مجهزة لممارسة العديد من الأصناف الرياضية، فإن المدرسة العمومية ما زالت تفتقر في غالبيتها إلى هذه الفضاءات لمزاولة أبسط هذه الرياضات وتنمية القدرات الجسدية والعقلية لأبناء وبنات الشعب المغربي، خصوصا إذا ما تكلمنا عن العالم القروي فالرياضة الوحيدة التي تمارسها كل التلميذات رغم أنفهن بسبب بعد المدارس هي رياضة المشي.
إن واقع النوادي الرياضية ببلادنا يتميز بقلة الممارسين من النساء والشابات، رغم أن الفئات الصغرى في بعض الأنواع الرياضية تعرف إقبالا كثيفا من طرف الفتيات الصغيرات، اللواتي تجدن أنفسهن أمام عوائق كثيرة ومتنوعة منها ما هو ثقافي اجتماعي ومنها ما هو شخصي لمتابعة ممارسة الرياضة بالشكل المطلوب بمجرد وصولهن لمرحلة المراهقة والتفكير في مشروع الزواج.
فإذا كانت هناك منذ القديم بعض الرياضات التي اعتبرت حكرا على الفئات الغنية كالكولف والتزلج والجمباز والتنس والسباحة... لكونها تحتاج لممارستها إلى فضاءات خاصة وتجهيزات باهضة الثمن، فإن هذا الاحتكار قد ينتشر ليشمل في المستقبل القريب الأصناف الرياضية الأخرى ككرة القدم والجري بكل أنواعه والملاكمة...نظرا لافتقار المدرسة العمومية للملاعب الرياضية وتواجدها فقط بالمدارس الخصوصية التي تبقى حكرا على أبناء وبنات الفئة الغنية والميسورة نظرا لغلاء تكلفتها ببلادنا.
إن هذا الاحتكار للممارسة الرياضية ببلادنا من طرف الفئات الغنية والميسورة، سيساهم من دون شك في توسيع عدد الممارسات للرياضة بين النساء المغربيات، لكنه لن ينتج لنا بطلات في كل الأنواع الرياضية وحتى ولو تم تحقيق هذا المبتغى فسيكون استثناءا فقط، بسبب غياب الدافع والحافز والإصرار لدى هذه الفئة من النساء، هذا الإصرار الذي نجده عند الفئات الفقيرة التي تحاول إن أتيحت لها الفرصة الوصول إلى هدفها من أجل تغيير واقع حالها الاجتماعي.
ومن بين أسباب ضعف الممارسة النسائية للرياضة بشكل عام هو حالة النوادي الرياضية المحلية، حيث تجد الفتاة نفسها بسبب عدم وجود فضاءات رياضية عمومية، مضطرة إلى الالتحاق بأحد هذه النوادي في حال ما إذا اختارت مواصلة ممارستها الرياضية بشكل هاوي أو محترف، فمعظم النوادي تعيش فوضى كبيرة في التدبير والتسيير، فوضى يستغلها البعض للاستيلاء على ميزانية النادي رغم هزالتها.
وتعتبرهذه الفوضي تجسيدا للواقع المرير الذي تعيشه غالبية الجامعات الرياضية الوطنية ووزارة الشباب والرياضة، فبعيدا عن التفاصيل لا تتوفر اليوم الوزارة الوصية على القطاع الرياضي على رؤية شمولية واضحة للقطاع ببلادنا، مما يجعل الشباب الراغب في مزاولة الرياضة في صراع دائم مع رؤساء نواديهم ومسؤولي الجامعات والوزارة، فعوض أن يخرج قطاع الرياضة ببلادنا أبطال رياضيين فهو يخرج أبطال نقابيين.
يعتبر هذا الوضع الأنسب لانتعاش الزبونية والمحسوبية والرشوة، من أجل الحصول على مقعد بالمنتخبات الوطنية والمشاركة في الدوريات والبطولات الوطنية والدولية، إذا كان للرجال القدرة نسبيا على التعايش مع هذا الواقع وهذا الوضع البئيس والتأقلم معه فإن الفتيات في معظمهن غير قادرات على ذلك على اعتبار أن الفتاة تضحي مئة مرة لتتابع ممارسة الرياضة فلن تقبل مرة أخرى التضحية وهذه المرة بالقيم والأخلاق.
رغم هذه الإكراهات والعراقيل المتعددة الأوجه والأبعاد فإن بلادنا قدمت العشرات من البطلات على المستوى الوطني والعربي والإفريقي والعالمي، بطلات شكلن الاستثناء لقاعدة مفادها أن الابداع والتفوق الرياضي يبقى حكرا على الرجال دون غيرهم، بطلات مثل المرحومة فاطمة عوام ونوال المتوكل ونزهة بدوان وبهية محتسن ونجاة الكرعة وحسنة بنحسي وأسماء نيانغ...
يعتبر في هذا السياق اختيار العداءة العالمية نوال المتوكل بطلة القرن العشرين عربيا (فيما تم اختيار البطل سعيد عويطة عداء القرن العشرين عربيا في صنف الرجال) تتويج لكل الفتيات والنساء المغربيات، وتكريم لكل عداءة ولاعبة تنس ولاعبة كرة القدم وملاكمة وسباحة وفارسة...وكل فتاة وامرأة ممارسة للرياضة ببلادنا، كما يضع هذا الاختيار مسؤولية كبرى على عاتق المسؤولين عن الرياضة ببلادنا من أجل تسطير سياسة عمومية تشاركية وشمولية من أجل مواصلة تخريج الأبطال والبطلات في كل الأنواع الرياضية.
إن تقديم واقع الممارسة الرياضية النسائية بالمغرب بهذا الشكل المظلم مع القليل من بقع الضوء لا يعني بأي شكل من الأشكال أن ممارسة الرجال للرياضة ببلادنا تعيش وضعا مغاير بل على العكس من ذلك تماما فالرجال والنساء على حد سواء يعيشون أزمة على مستوى الممارسة الرياضية، أزمة تتطلب اليوم تظافر جهود كل الأطراف من أجل تجاوزها، بغية إعادة التاريخ في كل مرة عبر تخريج فاطمة عوام اخرى وسعيد عويطة اخر ونوال متوكل اخرى وخالد سكاح اخر وبهية محتسن اخرى ويونس العيناوي اخر...