مؤخرًا صدر للشاعرة المصرية رضوى فرغلى، ديوان بعنوان "على طرف منديل" عن دار عن دار أوراق للنشر، فى القاهرة، والذى يعد تجربتها الأولى فى مجال الإبداع، وكان بمثابة المفاجأة للعديد من المثقفين ممن يتابعون مقالاتها ودراساتها كمعالجة نفسية.
حول ديوانها وعملها كان لوكالة أنباء الشعر هذا الحوار..
* متى بدأتِ كتابة الشعر؟
- أكتب من سنوات طويلة، لكن لم تكن لدى الجرأة والاهتمام لنشر ما أكتبه، لأن الكتابة خارج تخصصى، هواية بالنسبة لى، شاطئ أستريح عليه من عناء العمل والحياة اليومية الضاغطة، نافذة مختلفة على الذات والحياة، أنصت من خلالها إلى نفسى والآخرين الذين أقابلهم فى عملى أو علاقاتى المختلفة. ومن هنا كانت أشبه بالكتابة الذاتية التى لم تلح على رغبة لطباعتها أو نشرها وكنت أشعر بها كتابة عادية وربما لا تستحق عناء النشر أو التوثيق المطبوع، فكنت أكتفى بالجرائد أو المواقع الإلكترونية ومؤخرًا "الفيسبوك". فمثلاً منذ حوالى ثلاث سنوات نشرت نص "امرأة مفقوءة العينين" فى موقع القصة القصيرة، وفوجئت بالشاعر الفلسطينى منير مزيد يترجمها للإنجليزية، وأخبرنى أحد الأصدقاء أنها نُشرت فى مجلة أجنبية، وبعدها فاجأتنى بمقال نقدى عنها، العزيزة "عائدة النوبانى".
استمر الأمر هكذا حتى شجعنى بعض الأصدقاء على النشر وكانت وجهة نظرهم أنها كتابة تستحق أن تصل للقارئ وهو صاحب التذوق والتقييم. وبالفعل طبعت أول كتاب خارج تخصصى، بعنوان "على طرف منديل" صدر عن دار أوراق للنشر، 2015 وأدهشتنى الحفاوة التى قوبل بها والتلقى الإيجابى والرسائل والانطباعات التى تصلنى من قراء وأشخاص لا تربطنى بهم أى صلة شخصية أو مصلحة وكل من كتب عنه، كانت كتابتهم مفاجأة جميلة لى وأنا ممتنة لها. وتلقيت دعوة كريمة للمشاركة فى إحياء ليلة الشعر المصرى بالجزائر ضمن تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، فى أواخر أغسطس الحالى، وهذا شىء مفرح جدا لى ومخيف فى ذات الوقت. لذلك أشعر بالرهبة والقلق من تجربة الكتابة القادمة لأن المسئولية أصبحت أكبر
* وهل ترين أن انشغالك برحلة العلاج النفسى كانت سببًا فى تأخر دخولكِ لعالم الشعر؟
- العلاج النفسى هو هويتى الأصلية ومهنتى التى أحبها جدًا، الكتابة كانت ومازالت نشاطًا موازيًا. أكتب حين تلح على الفكرة ولا أفلت منها إلا حين تتجسد سواء فى مقطع شِعرى أم نصّ سردى، بهذا المعنى، لا شىء يشغلنى عنها. وبشكل عام لا أُفضل أن تكون الكتابة الإبداعية مهنة، الأحسن فى تصورى هو أن تكون هواية، فلا يقع صاحبها تحت وطأة أنها مصدر للدخل المادى أو هى من تمنحه الهوية الأساسية فى الحياة، وبالتالى تظل الكتابة مثل الحبيب، نلتقى به ونحن فى أحسن حالاتنا يجمعنا فقط الرغبة فى إنتاج شىء جميل ومعايشة مشاعر حية وليس من أجل ملء صفحات ونشر كتب لنقول أننا كُتاب أو مبدعين أو نحصل على جائزة هنا أو شهادة تقدير من هناك أو الوقوع تحت سطوة المقابل المادى لما نكتب لنبقى على قيد الحياة، والنتيجة أن نصف ما يكتب على الأقل، لا يستحق أن يكون موجودًا، طبعًا دون أن تغفل الأسباب الأخرى لانتشار الكتابة الرديئة.
* شهد تاريخ الأدب العديد من حالات الاضطراب النفسى مثل صلاح عبد الصبور وتولستوى ومى زيادة وغيرهم وفى الوقت نفسه هناك من يرى أن الإبداع نوعٌ من العلاج النفسى للمبدع والمتلقي.. فكيف تفسيرين هذه الإشكالية؟
- هذا الموضوع محل جدل بين علماء النفس، لكننى أنتمى للمدرسة النفسية التى تؤمن بأن "الاضطراب النفسى" لا ينتج إبداعًا وإن كان مصاحبًا له، والإبداع يحتاج إلى حد أدنى من التوازن النفسى. وبالرغم من الحالات التى استشهدت حضرتك بها وغيرها، إلا أن ذلك فى اعتقادى لا يعود إلى كون الإنسان مبدعًا، وإنما طبيعة تكوينه النفسى وهشاشة الشخصية وربما ضعف الاحتواء الأسرى منذ الطفولة لدى البعض أو حتى حرمانه من التنشئة النفسية والاجتماعية السوية، إضافة إلى حساسية الموهبة، ما يجعله أقل تكيفًا مع الضغوط النفسية وأقل توافقًا مع الواقع بأعبائه ومتطلباته، بدليل وجود مبدعين وموهوبين أكثر عددًا، تمتعوا بصحة نفسية وباتزان انفعالى وتركوا إنتاجًا عظيمًا. وتوجد دراسات نفسية كثيرة تشير إلى أن الاكتئاب ونسبة الانتحار بين المبدعين أقل منها بين العاديين مما يشكك فى الأفكار المروجة عن هذا الموضوع، وهنا أجدنى مقتنعة بأن النشاط الإبداعى نوع من العلاج النفسى يخفف حدة الاضطراب لدى المبدع وليس العكس.
* بالعودة إلى ديوانك.. على الرغم من أن قصائده جاءت باللغة العربية الفصحى إلا أن هناك بعض المفردات جاءت باللهجة العامية .. فلماذا؟
- نعرف أن اللغة مخزون ثقافى وعاطفى قبل أن تكون مجرد وسيلة للتواصل، وأنا أحب اللهجة المصرية، وأجد بها كلمات تعبر بعمق عن حالة معينة قد لا يعبر عنها اللفظ الفصيح للكلمة أو لا يمنحنى الإحساس الرهيف بالمعنى المقصود، فأختار أن أستخدمها.
* "طرف المنديل" أو "الثياب" و"ذيل النسيان" ... ألا توجد حالة وسط؟
- المشاعر العميقة تضعنا أحيانًا على حافة الحياة. الحب، الحزن، الغضب، الفقد .. تلك أحاسيس لا تعرف الحالة الوسط ولا تقبل بها. فأنت حين تحب مثلاً لا ترضى بما هو "عادى" أو "هادئ" أو "مستقر" بل تسعى دومًا للوصول إلى الدرجة القصوى، من الاشتعال، من الذوبان الذى يجعلك تُخلق من جديد فى كل مرة. الاستقرار أو "الوسط" هنا هو موت إكلينيكى يتمرد عليه الإنسان حتى ولو اضطر أحيانًا إلى إنهاء علاقاته سعيًا للاكتمال بحالة مختلفة من "الفوران العاطفى".
* ولماذا جاءت قصائد الديوان بلا عناوين .. فهل من تفسير؟
- ربما لأن معظمها مقاطع قصيرة، وفضلت أن لا يكون بينها وبين القارئ أى وسيط حتى وإن كان "عنوان" يتلقاها كحالة مجردة.
* خلال رحلتك مع الديوان.. هل وجدت أن شخصيتك كمعالجة نفسية تفرض نفسها على الحالة الشعرية أحياناً؟
- أحيانًا أشعر بها داخلى من خلال التركيز على ماهية إحساس ما أو تفسير لمشهد معين، لكن لا أعرف إن كان المتلقى يشعر بذلك أم لا. لأنى أتصور أنه واضح كحالة كلية فى الكتاب، بمعنى أن مهنتى كمعالجة نفسية ساعدتنى على فهم وتوصيف مشاعر المرأة فى مواقفها الحياتية المختلفة ورصد إحساسها بنفسها وبالرجل فى علاقات مختلفة. العلاج النفسى والشعر مشتركان فى رصد الحالة النفسية والعاطفية برهافة والتقاط تفاصيل قد تخفى على معظم الناس وتحليل ارتباطها بحالات الإنسان المختلفة.