"ملاك" هو أول أفلام المخرج المغربي عبد السلام الكلاعي؛ حيث يعري فيه الحقيقة لقضية حساسة في مجتمع تقليدي حول صغار الأمهات العازبات.
الفيلم الذي عرض في إطار "أيام الفيلم المغربي في عمان" في الهيئة الملكية للأفلام، يبرز تلك المعاناة التي تمر بها الفتيات اللواتي يتعرضن للاستغلال من ذكورية المجتمع بعقليته المتناقضة، التي تمنح الحق لنفسها بأشياء معينة وتنصلها من مسؤولية، فيما تبقى فيها المرأة هي الملامة في كل الحالات.
ملاك التي لعبت دورها الممثلة شيماء بن عشاء، تعيش في كنف أسرة متوسطة الحال في طنجة، تغدو نافذة، يطل بها المخرج على العوامل المهمشة وعالم الليل التي جعلت من المرأة سلعتها، حيث تستغل ضعفها وحالها بواقع مجرد كئيب.
يجرد الفيلم العواطف والحقيقة من خلال تتبع حركة بطلته وكأنها ظل ليضفي عليها واقعا، فيما الكادر يحدد مكانها أغلب الوقت في الليل لضيق الحال ومحدودية الفرص.
ففي المشهد الافتتاحي، تظهر ملاك وهي تسير وحيدة خائقة بقفطانها الذي يخفي الحمل، وهي تعاني ألم المخاض حتى تسترعي انتباه امرأتين من المارة، لا يعرف من هما، فهما إما مارات أو من عاشقات الليل، تنقلانها للمستشفى وتتركانها وحدها تمضي للداخل، حيث يتحول سير الأحداث بالفلاش باك لبداية الحكاية بإعادة مجرياتها.
السردية في "ملاك"، تكشف لقاءات حزينة وسعيدة لشخصيتها الأساسية التي تعيد اكتشاف الحياة وتحولها من تلميذة خجولة، لا تترك الكاميرا مساحة لها تارة وتتركها وشأنها تارة ليعزز تطور التوتر دراميا.
تقنيا الفيلم جيد، فضلا عن حساسية الموضوع الذي يتناوله، لكنه يبقى في دائرة البساطة لا الإبداع من خلال الولوج في التابوهات، وهي الجنس هنا، إلى جانب ذكورية المجتمع التي تمنحه سلطة خادعة من جهة وموقف المرأة من جهة أخرى في مثل هذه الظروف.
فملاك التي اختير اسمها برمزية والدها للفتاة الهادئة تبدلت وتحولت لأخرى بلا هوية تواجه تغيرات صعبة وخوف مسيطر عليها في محيط يقصيها للزاوية بعد أن غرر بها رجل منحها وعد الزواج فصدقت رجولته.
هوامش المحيط حول (ملاك) التي جعلت منها نافذة لتجد 2000 درهم لتجهض، ساقتها إلى بيوت الليل وجسد متهالك يبحث عن مخرج، لكن في النهاية الخطاب الجريء والعنيف ما هو إلا واجهة واقع أفظع لما يجري من استغلال للمرأة، ولو وقعت في خيار خاطئ تتحمل تبعاته وحدها، فيما الرجل يتنصل من أي مسؤولية ولا يحاكم، فهي بنظر المجتمع مذنبة وحدها.
ويبرز الفيلم كيف يتعامل المجتمع مع هؤلاء النساء اللواتي تحولن لأمهات عازبات، وتواجد هذه الظاهرة من خلال تناول إحدى الطبيبات اللواتي تحتضنهن بعد أن بتن حوامل، إما جراء اعتداء أو تغرير، بموازة الواقع الحقيقي لها في المدرسة والبيت وحتى المؤسسات المجتمعية، كما في مركز الشرطة التي أطلقتها بعد مداهمة عمارة يمكثن فيها فتيات هاربات من جنسيات مختلفة، بحجة أنها مغربية وفي حالة حمل وليس هنالك مكان لها حيث الاكتظاظ لا ينتهي.
وفي نهاية مفتوحة كمصير مئات أخريات، تحمل ملاك طفلها نحو المجهول وما يخبئه الغد والمجتمع، فيما واقع الحياة لا يتغير في عتمة ليل، وأخريات تحيط بهن الذئاب بذكورية وعلقم الحياة، التي تحمل قتامة بقدر الصورة التي اختارها الكلاعي لفيلمه ليعبر بها عن هذه البؤر.
وكان معيار الكلاعي الزمني هو الليل الذي يخفي كل عيوب المجتمع وهوامشه، لا سيما من الفتيات اللواتي يجابهن الحياة وحيدات.
شارك الفيلم في العديد من المهرجانات الدولية منها: مراكش، طنجة، شيكاغو، المهرجان الأفريقي في برلين، الاسكندرية، مهرجان الفيلم العربي في أمستردام. نال جائزة التحكيم وجائزة أفضل سيناريو وجائزة أفضل ممثلة في المهرجان الوطني للفيلم في طنجة.