تظلّ المرأة العربية هي الضلع الأضعف في مثلث الأسرة، أعني الأب والأم والأولاد، رغم أنها تدين بدين ضمن لها حقوقها، كما فرض عليها واجبها الذي أضاف إليها الرجل ما لا طاقة لها على احتماله، مما لا يدخل لا شرعًا ولا عرفًا في دائرة الواجبات بالنسبة لها، إنما هو تحكم الرجل زوجًا كان أو أبًا أو أخًا في تحديد مصيرها، وفي رسم ملامح حاضرها ومستقبلها، في ظل مفاهيم متوارثة وخاطئة بحق المرأة، مع أن الدين أوصى بالنساء خيرًا، فهن شقائق الرجال في الحقوق كما في الواجبات، وإكرام المرأة من ملامح حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت أمهات المسلمين من بيت النبوة حافظات للقرآن الكريم، وراويات للأحاديث النبوية الشريفة، ومنهن من كانت تحكم بين المسلمين إذا اختلفوا في أمر من أمور دينهم أو دنياهم، استشهادًا بقول الله تعالى وسنة رسوله العظيم.
لكن ما نراه اليوم من معاناة المرأة في حياتها الأسرية، لا يُمثل خلق الإسلام ولا قيمه، فالمرأة تنشأ في بيت الأسرة وسط رقابة مشدّدة من والدها وإخوانها ولو كانوا أصغر منها، وإذا تزوجت خضعت لسلطة وجهل رجل متعنت أو ولد عاق منحرف عقديًا أو خلقيًا، لأن معاناتها تجاه تصرفاته، تفوق معاناة والده، خاصة عند الآباء غير الأسوياء الذين يُحملون زوجاتهم كامل مسؤوليات الأسرة، بما فيها تربية الأولاد، وكأن هؤلاء الأولاد قد جلبتهم أمهم من الشارع، وليسوا أبناء هذا الزوج عديم المسؤولية، إن لم نقل عديم الضمير، وحتى لا أتهم بالتعميم في الطرح أعترف أن هناك آباء يتحملون كامل مسؤولياتهم تجاه أسرهم، لكني أتحدث هنا عن فئة لا ترى في الدنيا إلا نفسها، ولا تفكر إلا فيما يجلب لها الراحة، لذا ترى الزوج من هذه الفئة يتعامل مع زوجته وكأنها مستعبدة عنده، ويتعامل مع أولاده بمنتهى الاستهتار وعدم الشعور بالمسؤولية، وهذا ما ينتج الأسرة المفككة، وبالتالي المجتمع غير المتكاتف، الذي تتفشى فيه مظاهر الضعف، وعلى أفراده غياب المسؤولية الأسرية الاجتماعية الوطنية.
ما يساعد على تفشي هذه الظواهر السلبية في المجتمع، هو جهل المرأة بحقوقها، وتفريطها أحيانًا في هذه الحقوق إذا ألمت بها، بحجة المحافظة على كيان الأسرة، مع أن الأسرة مفككة، ومتخمة بالتوترات والنزاعات وعدم الاستقرار، وهذا الجهل أو التفريط من المرأة في حقوقها، هو ما يُشجع الرجل على المضي في عنجهيته واستبداده وظلمه، ولو لجأت للقضاء لأنصفها، لتعيش بكرامتها، وتمارس حياتها الطبيعية كربة بيت في الحدود التي ضمنتها القوانين والأنظمة بالنسبة للمرأة والرجل، فلكل واحد حقوقه وواجباته، والتعدي عليها هو تعدٍ سافر ووقح على القانون الذي لا يخرقه إلا مستهتر وسيء التربية ومنحرف العقيدة.
وهذا ما يفسر نمو أرقام حالات الطلاق في البلاد العربية، فالرجل تعوّد على فرض سطوته القاسية على المرأة، وقد اتخذ من ورقة الطلاق تهديدًا يلوّح بها في وجه المرأة كلما أرادت أن ترفع رأسها مطالبة بحقوقها المنتهكة، وبكرامتها المخترقة، وبعزة نفسها المهانة، لأن الرجل لا يزال يعيش تحت تأثير مصطلح (الرجل الأسد والمرأة الأرنب) أو يعيش تحت تأثر أوامر أمه الجاهلة التي تعتقد بيقين تام أن هذه الزوجة تسعى لحرمانها من ولدها (المدلع) واختطافه من حضنها، مع أن للأم حقوقها المصانة، وللزوجة حقوقها المطلوبة، ولا تعارض في الحالتين لدى الأسوياء من الرجال.
القانون وحده هو من يحمي المرأة، وهو قانون يستمدّ قواعده وأصوله من ديننا الإسلامي الحنيف، دين العدل والمساواة والرحمة، وليتذكر الآباء المتنمرون، والأزواج المستأسدون، أن الظلم ظلام، وأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وهم بذلك إنما يظلمون أنفسهم قبل أن يظلموا زوجاتهم أو أولادهم، وكما قال تعالى: (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). والقانون للظالمين العابثين بالمرصاد.