علينا أن نفهم معنى الكلام، وإذا أخفقنا في سلوك هذا السبيل، فإننا نخطئ “الباب المؤدي إلى الفلسفة» للمؤلف آرنست كاسير .. و المرأة أكثر فهما للكلام و السّرد و أقرب إلى طرح الأسئلة، وعليه فهي ليست بالبعيدة عن ابداع نص فلسفي، وليست بالبعيدة عن تجاوز الراهن لما يجب أن يكون عليه الواقع لا كما هو كائن، و ليست بالبعيدة عن وضع مشروع فكري و مراجعة الكلام والأفكار واعادة ترتيبها و تنظيمها لأن الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة الجاهزة.
وعليه نطرح السؤال التالي: هل يمكن الحديث عن الفعل الابداعي الفلسفي؟ وهل للمرأة مجال للمساهمة في هذا الفعل؟ لماذا هناك حضور بارز للكتابات النسوية في الأدب والشعر والرواية في المشهد الثقافي العربي وغياب تام للكتابات الفلسفية النسوية ؟
من منطلق الكوجيتو الديكارتي “أنا أفكر اذا أنا موجود» كذلك المرأة تريد أن تكتب فكرا، تريد أن تبدع لتثبت وجودها ومادامت الفلسفة فن الدهشة والشك. فلا سبيل لخروج الإنسان من التقصير و الركون للسرد والابتعاد عن التنوير العقلي، فالإنسان هو الآن أمام رهان البحث الفلسفي لا تراكم للمعرفة، بما هي تاريخ أو سلسلة متلاحقة، بعيدا عن المنهجية أو الوعي الإجرائي الذي يجعلنا نعيد ترهين الأفكار، فهما وتأويلا وتسجيلا لراهن معرفي جديد، ضمن آفاق توقعنا في وتيرة الزمن الراهن، زمن الوعي التأويلي، و هو ما يجعل هذه الدراسات مجردة من أصالتها ومشروعية كينونتها والإسهام في التحول والتغيير. فالفلسفة، ستكون في خطر، إذا لم تقدم بديلها من داخل نسقها الخاص ضمن معطياتنا الحضارية و الثقافية و هو أمر ضروري، أي منطقها الخاص، منطق علوم الفكر، ومن التفكير على نحو مختلف، لأنها، أي الفلسفة ومعها الفيلسوف مطالبة بتغيير نظرتنا في طريقة التفكير و ذلك برد الحماقات الفكرية، حتى لا نكون ضحايا انغلاقنا على ذواتنا وآرائنا والتي نعتقد أنها صحيحة دائما .
والمرأة في هذه الأجواء بقيت مرتبطة بالنسق المورث، رغم وجودها في مراكز البحث و تمتعها بالدراسات الأكاديمية، يمكن القول بأنها حالة خوف من راهن الأسئلة، و من تجريم التجديد والبحث، كذلك حالة التبعية التي تعيشها المرأة المبدعة والكاتبة، هذا الولاء لا يجعلها تتحرر من سلطة الرجل لأنه سيّد كل المشاريع الفكرية والخروج عن ذلك بأسئلة جديدة يربك الراهن الذي تعود عليه العقل .
و كأن الفلسفة لا يمكنها ان تتجدد من عقل المرأة الباحثة. وفي المشهد الثقافي العربي، يصعب التمييز بين التجربة الذاتية في عملية الابداع عند المرأة والرجل، فالتجربة ذاتية خاصة حيّة، وإذا صارت الذات واعية بهذه الأزمة يمكن اعتبار ذلك تجارب حيّة، تتكشف فيها الجوانب الذاتية والموضوعية معاً من خلال منهج تحليل التجارب والخبرات الحيّة في إطار نظرية التفسير المحكمة.
وعليه يمكن للمرأة أن تأخذ من محاولات الرجل في التأسيس لتوجه فكري قائم على الإبداع،لأن الإبداع الفلسفي ليس مصدره النقل التام، نقل الوافد أو نقل الموروث. لذا يجب الانتقال من النقل إلى الإبداع عن طريق منهج تحليل الخبرات المشتركة والانطلاق من التراث وتحويله إلى طاقة متفجرة تصنع الجديد. وتوظيف الوافد ليس لذاته بل اعتباره وسيلة للإبداع. وهذا ما أكّد عليه حسن حنفي في محاولته إعادة بناء علوم الحكمة في مؤلفه الضخم (من النقل إلى الإبداع).
فالإبداع ” … يبدأ عندما يقف الواقع أمام حرية الإنسان في العقل وفي التعبير. من خلال هذا التوتر تفسح الحرية مجالا لحركتها وتزيح موانعها، وينشأ الإبداع كتعبير عن هذا الصراع بين الحرية الذاتية والضرورة الاجتماعية، وتظهر في المواقف وفي السلوك قدر ظهورها في الفكر والتعبير، تكون بالفعل والقول، بالموقف والكلمة. فالكلمة موقف والسلوك فكر» كما يذكر حسن حنفي في كتابه (هموم الفكر والوطن)، الجزء الثاني.
علينا أن نتجاوز العقلانية التي ترفض المرأة المفكرة، و على المرأة التي تحاول وضع آليات نقدية موضوعية تقترب فيها من السائد و ترسم معالم أفكار تخدم ثقافتها و حضارتها و تستفيد من الوافد الفكري وفق منهجية علمية تتعاون في ذلك مع الرجل لأنه شريك في الحياة و النجاح و الفشل. تقرأ التراث بعين الحاضر و في كل ذلك تضع خريطة معرفية للقادم.