”لا يعنيني عيد المرأة ما دمت لا أشعر بكرامتي حتى اليوم، وما دمت أعيش وأولادي في بيت صغير مأجور، أشبه بكوخ لا يحتوي على أبسط مرافق الحياة من كهرباء، وماء وغيرها”.
تتحدث “فضيلة”، في العقد الرّابع من عمرها، للأناضول بمناسبة عيد المرأة التونسية الـ59، وهي منهمكة في إعداد الخبز التقليدي في كوخ صغير، يقع على إحدى طرق مدينة القيروان، وسط تونس.
وتحتفل النساء التونسيات في الـ 13 من أغسطس/آب كل عام، بعيدهن الوطني الذي يتزامن مع تاريخ إقرار مجلة الأحوال الشخصية، وهي مجموعة قوانين اجتماعية صدرت في البلاد عام 1956، خلال فترة تولي الرئيس التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة، رئاسة الحكومة قبيل العهد الجمهوري، والتي شهدت سن قوانين للأسرة تحوي تغييرات جوهريةـ من أهمها منع تعدد الزوجات، وسحب القوامة من الرجل، وجعل الطلاق بيد المحكمة عوضاً عن الرجل، الأمر الذي ما زال يًعمل به حتى اليوم.
تستطرد “فضيلة” حديثها (والدموع تنهمر من عينيها): “ قلّة هم من يسألون عنا في مثل هذه الظروف الصعبة، ونساء كثيرات في تونس أرهقتهن الظروف، وليست هناك التفاتة كبيرة لهن سواء من سياسيين أو من جمعيات ومنظمات، بل إنّ الأمر يقتصر على عدد محدود منهن”.
“فضيلة” ليست سوى نموذجاً من تلك النساء الكادحات، اللاتي زجت بهم قسوة الحياة في مثل هذه المهنة التّي تفرض عليها أن تتحمّل حرارة الصيف المرتفعة، خاصة في منطقة عادة ما تكون فيها درجات الحرارة مرتفعة مقارنة بباقي الولايات.
مثال آخر لتلك النساء، تجسده “عزيزة”، شابة حاصلة شهادة دراسات عليا في مجال الإعلام، من إحدى الجامعات التونسية، اضطرتها ظروف البطالة، منذ 5 سنوات، إلى العمل في مشتل لزراعة الفلفل والطماطم، في منطقة الشبيكة، بالقيروان.
“عزيزة” التي تشرف على هذا المشتل قالت للأناضول إن عيد المرأة لا يعني الكثير للنساء في منطقتها خاصة وأنها “تعرف كل شيء عنهن”.
وتضيف:”نساء عديدات لا تهمهن مثل هذه الأعياد، وكثيرات منهن أيضاً لا يعرفن حتى تاريخه”.
وهو الأمر نفسه الذي تحدثت عنه نسوة تراوحت أعمارهن ما بين 20 و40 عاماً، التقتهن “الأناضول” في ذلك المشتل.
إحداهن رأت أن هذا العيد “لا يعني لها شيئاً”، وقالت مفضلة عدم ذكر اسمها :”لا نحتفل به، هو يوم عاديّ كباقي أيام السنة، نحن هنا منسيات، ونشعر أن حقوقنا مهضومة، كما أنه لا قيمة لنا، ولا أحد يسأل عنا وعن ظروفنا الصعبة، حتى أننا نعمل في الأعياد لنوفر قوت أطفالنا”.
من جهته قال رضوان الفطناسي، مدير فرع “المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية” (غير حكومي)، بولاية القيروان، لمراسلنا، إن “العمل في القطاع الفلاحي يعتبر من صيغ الشغل الهش من حيث ضعفُ الإطار القانوني والتشريعي، والحماية الاجتماعية والصحية، وانعدام التأمينات في التنقل”.
وأضاف: “العاملات في مجال الفلاحة بالولاية، يتكبدن مشاقاً مهولة، في تنقلهن بشكل غير إنساني، واستغلالهن بأجور زهيدة أقل من الأجر الأدنى الفلاحي، وفي ظروف مناخية قاسية، وبوسائل عمل معدومة من خلال الضغط على تكلفة الإنتاج على حسابهن، مع انعدام التوعية والتثقيف القانوني لدى المجتمع المدني، مع عدم وجود هياكل نقابية تمثلهن بدعوى أنهن غير منتدبات بصفة دائمة”.
ولدى سؤال تلك النسوة عن الأجر الذي يتقاضينه مقابل عملهن في المشتل، فضلن عدم الإفصاح عن ذلك.
وبحسب المنتدى، فإن 60 بالمائة من العاملين في قطاع الفلاحة في القيروان، من النساء والفتيات.
رئيس قسم النهوض الاجتماعي بالولاية نفسها (تابع لوزارة الشؤون الاجتماعية) فرج الخماري، تطرق أيضاً إلى “عدم توفير الوقاية من المبيدات، والأدوية الخطيرة التي لا يعرفن عنها شيئا”.
وقال إنه ”على الرّغم من وجود صيغة للتغطية الاجتماعيّة (عبارة عن ضمان اجتماعي ومصاريف للجانب الصحي)، فإنه لا يوجد وعي بالتغطية، وليس هناك إقبالٌ عليها من قبل العاملات، وهن يحتجن المال للإنفاق على عائلاتهن الفقيرة”.
وأشار إلى أن ”معظم النساء العاملات في القطاع الفلاحي بالقيروان، عملهن موسمي لا يتجاوز 6 أشهر في العام، حيث يرتبط بموسم جني الزيتون، وجمع الفلفل، والطماطم وبعض الخضروات الأخرى”.
ووفق إحصائية لوزارة الفلاحة صدرت عام 2013، فإنّ نسبة النساء من اليد العاملة الدائمة في مجال الفلاحة، 11.2% و38.2% من اليد العاملة المؤقتة، و44% من مجمل المعينين العائليين (يشتغلن مع أزواجهن أو أحد أفراد عائلاتهن) القارين (الدائمين)، و66% من المؤقتين.