سيخرجون علينا كالعادة مطبّلين رافعين شعارات يصمّون بها آذاننا ..سيتبجّحون بالمكانة المرموقة التي تبوّأها مجال حقوق المرأة في تونس وطبعا سيقولون أنها فاقت جميع الدول العربية .. والإفريقية و.. و.. وكأن الدول العربية والإفريقية تعير اهتماما بهكذا مجال..
المؤسف أن موضوع حقوق المرأة في بلدي بقي مجالا فسيحا للمزايدات السياسية لا غير .. ولكم أن تتصوّروا موقف أيًّا من ساستنا المستميتين في الدفاع عن حقوق النساء إذا طلب منه أن يتنازل عن رئاسة حزبه لصالح إمرأة .. ثم لماذا لا يبدؤون بأنفسهم ويمكّنوها من حقّها في أن تترأّس مؤتمراتهم وأحزابهم قبل أن يكلفوا أنفسهم عناء لباس أقنعة صارت مفضوحة للقاصي والداني .. فتعداد “نجاحات” المرأة هو فقط تعداد لـ”نجاحاتهم” وقد نصبوا أنفسهم أوصياء عليها.. ثم لماذا ينحصر اهتمامهم بالمرأة المتحضرة، المتعلمة دون غيرها … بطبيعة الحال فالمرأة الريفية لا تعنيهم أصلا ومعاناتها وأوجاعها لا يمكن أن ترفع شعبيتهم .. هم يريدون فقط الإشتغال تحت الأضواء ..
المخجل في الأمر أنّ المرأة ومكاسبها أضحت موضوعا مناسباتيًّا يتكالب عليه ساستنا و”العاملون” في مجال حقوق الإنسان في الثالث عشر من كل أوت.. فقط في هذا اليوم .. فينفضوا عنه الغبار ليبقى بعد ذلك نسيا منسيا طيلة بقية أيام السنة !!..
إذا ما سلّمنا بأنّ السبيل الوحيد لمعالجة كل داء هو وضع الإصبع عليه مهما كان مؤلما وإذا لم تكن لدينا الجرأة على تجرّع مرارة الدواء فأنه لن يكون لنا الحق في التمتع بشرف معانقة لذة الشفاء..، لذلك علينا أن نعترف بأن ما “تنعم” به المرأة اليوم من حقوق وحريات في تونس لم تكن يوما نتاجا لنضالاتها وانما كانت في شكل هبة من بعض الشخصيات الوطنية الرجالية على غرار الطاهر الحداد أو الحبيب بورقيبة .. وكلّنا يعلم أن الحقوق تفتك ولا تعطي .. لأن من أعطاك شيئا يمكن أن يسترجعه منك أو أن يمنّه عليك في كل لحظة ..
كذلك لمن يتبجح بمقدار حقوق وحريات المرأة التونسية فعليه أن يعلم جيدا أن حضورها في الشأن العام لم يتعدّ الوظائف الإدارية البسيطة حيث يعلم الجميع مدى حضورها في الحكومة والبرلمان والمسؤوليات العليا.. التي لا يجب باية حال من الأحوال أن تكون حكرا على الرجل ..
وصلنا اليوم إلى مرحلة لم تعد تقبل البتة أن تكون فيها المرأة مغيّبة، مهمشة، مستضعفة .. وهذا الوضع بقدر ما هو مسؤولية الرجل، المتعصّب لنفسه بالطبع، إلا أنه يعدّ مسؤولية مضاعفة بالنسبة إلى كل النساء ..
ثم إذا أردنا الذهاب بعيدا .. فكيف لنا أن نتحدث عن حقوق المرأة أو الإنسان بصفة عامة في بلد بقي فيه مفهوم المواطنة الحقة مجرّد حبر على ورق ..
المثير للإستغراب أن البعض يتحدث عن حقوق المرأة بشكل منفصل عن الرجل الذي هو بدوره لم يحصل على القدر الأدنى من الحقوق التي تمكّنه من ان يعيش بكرامة وسيادة بين جميع الأمم..
إن مسالة التقسيم بين الرجل و المرأة في حد ذاتها تعتبر أحد أهم عوامل تخلف الدول النامية لأنه لايمكن الحديث عن تقدم أي شعب يعيش اختلالا في التوازن بين نصفيه .. إن وجودنا على رقعة جغرافية واحدة يقتضي بالضرورة نبذ منطق الصراع و التقسيم والتفرقة على أي أساس كان.. ففي نهاية المطاف كلنا مواطنون على مركب واحد إذا غرق لن يكون هناك أمل في النجاة للجميع ..