عجلة أكاذيب المرجفين أسرع من وعينا.
هذا ما أثبته لقاء السوبر السعودي بين فريقي النصر والهلال، فمنذ أن أقر الاتحاد السعودي اللقاء بموافقة الطرفين، والأكاذيب قد ملأت ساحات التواصل الاجتماعي، فأنتجت وقائع وملاسنات تكشف عمق المعضلة الاجتماعية التي نسير بها، وهي معضلة ممتدة الأطراف ومثبتة بقناعات مريضة، كونها لم تكن نزيهة الظنون، بل تحمل (أجندة) من التهم التي يبحث أصحابها عن إثارة كل ما يدفع الأفراد إلى التحزب، ومن ثم استعداء الأطراف بعضهم ضد بعض.
وكنت ممن كتب استباقا للقاء المرتقب بأن كثيرا من المغالطات تشكل جزءا من تفكيرنا، وهو ما يعرف بالمدخلات التي تشكل مخرجاتنا من قرارات وأحكام، يحدث هذا على مستويات متعددة من مناشط حياتنا اليومية.
ولأن مجتمعنا يعيش في دوائر من المغالطات، أهمها دائرة المرأة وكل ما يحيط بشؤونها واستلهام أي أمر حياتي وربطه بالسارية لتظل حياتنا مرتهنة بتلك المسجونة، ولهذا حملت المرأة بأنها السبب الرئيسي وراء إقامة مباراة كأس السوبر السعودي..
فقد أشاع المرجفون أن ترحيل المباراة إلى دولة أوروبية يستهدف في طياته ضرب كيان الأسرة من خلال الأم والأخت والزوجة بتمكينها من دخول الملاعب الرياضية، وما مباراة الهلال والنصر إلا فخ لإيقاع المجتمع في براثنه مستقبلا.
وقد تم تثبيت هذه الإشاعة في أذهان الكثير ممن يسير وفق ما يسمع (من غير فهم أو تحليل لما يسمع)، وفي نفس الوقت أثبتت ضحالة ورقة وعينا بما يحدث والانقياد للمحرضين، سواء في الجانب القولي أو الفعلي.
وكانت مخرجات ذلك اللقاء مؤسفة في جانبها الاجتماعي، إذ أظهرت مقدار ما يتمتع البعض به من فجور في الخصومة، إذ كانت محصلة الشتائم التي زينت ألفاظ أولئك المرجفين بسواد معتم لا يطاق حتى يتبادر إلى ذهنية السامع أن هؤلاء الشتامين ليس لهم دين أو خلق يعصمهم مما يتلفظون به.
ربما يستوعب المرء دوافع المرجفين في توزيع ظنونهم وتجييش المجتمع لأي إشاعة، وفي نفس الوقت يستعصي فهم بعض الجماهير المنقادة لما يقال لها، وهذه النقطة هي التي قصدت بها أن عجلة أكاذيب المرجفين أسرع من وعينا.
إن نتيجة مخرجات لقاء السوبر أثبتت أنه ليس لدينا خلق رياضي، ليس داخل ملتقى اللعب، بل داخل ملعب الحياة، إذ ما زال البعض يريدون اختطاف المجتمع وفق رؤاهم، وإذا وجدوا معارضة لآرائهم أهالوا تهم التفسيق والفجور على معاريضهم.
والشيء الملفت أن السيدات أو الأسر الذين حضروا المباراة مثلهم مثل خلق الله جاؤوا للتشجيع وقضاء وقت، مستمتعتين بما يشاهدونه بعيدا عن ظنون المرجفين، ولأن عيوننا تركض خلف وجوه النساء قيل ما قيل، مع أن الكاميرا نقلت لنا وجوه سيدات متنقبات ومحتجبات، ولأن حضور هؤلاء السيدات ينفي الإشاعات التي نهض بها المحرضون لبلبلة المجتمع، فقد أرادوا تحميل اللقاء كل النقائص التي توسوس بها صدورهم..
ووجود السيدات المحتجبات والمنقبات تشير أيضا إلى أن الناس أحرار في حياتهم: كيف يعيشون وكيف يتحركون لا يعصمهم إلا دينهم الذي ارتضوه لأنفسهم.
ومثل كل المعارك الاجتماعية (التي حدثت وسوف تحدث ) سوف تنتصر إرادة الحياة، فهي الأقدر على اختيار وسائلها للمضي للأمام.