نظرتنا للآخر يعلوها دوماً الخطأ حتى في الحكم على واقع الحياة الاجتماعية التي يعيشونها، النظرة العمومية للمجتمعات البعيدة عنا تسكنها ضبابية وفهم غير واقعي، بل في أحيان يتم إصدار أحكام غير منصفة، وبطبيعة الحال أحكام لا يمكن إسقاطها على واقع الحياة الحقيقية التي يعيشونها.
على سبيل المثال، عندما يتم النظر للواقع الاجتماعي الغربي والقول بأنه واقع مفكك وحياة مبعثرة، ومادية قاسية مجردة من المشاعر، خالية من الترابط الأسري والحميمية العائلية، هذا التعميم وهذه النظرة للواقع الغربي والأمريكي إذا أردتم، غير دقيقة، بل وغير منصفة. هذا الإسقاط والحكم العام لم يأتيا من فراغ أو بعفوية أو بسبب سوء فهم أو حتى بسبب التباعد المكاني والفارق الحضاري والاختلاف في التقاليد والعادات، بل جاء هذا السوء في الحكم والنقل، بسبب زخم من المعلومات كانت تنسكب على مسامعنا يومياً عن ظلام المجتمعات الغربية التي ابتعدت عن الطريق الصحيح.
فتلك المجتمعات تعيش في ظلام وانحدار أخلاقي وجنوح عن الإنسانية، فباتت تقدس المادة بعد أن جردت نفسها عن تقديس الله، وبات الإنسان الغربي مطحوناً تحت ويلات المادية والفراغ الروحي القاسي، فسببت هذه الحالة شروداً عن الروابط الأسرية، ونتجت أجيال نتاج تربية دور الأيتام والإصلاح الاجتماعي، وهذه الأجيال لا تعرف معنى الحنان الأمومي أو الأبوي، لذا تواصل الانحدار ومحاولات هدم مؤسسة الأسرة، وتمت محاولة استبدالها بمؤسسات المجتمع التي تدار بعقلية إدارة مؤسسات ربحية ومادية.
هذه الأقوال سمعناها طوال سنوات ماضية وتستطيع القول إنه مضت ثلاثة عقود على اجترارها، وبعد كل هذا لم تسقط حضارة ولم يحدث انهيار للمجتمعات، رغم أن التحذيرات كانت تؤكد أنها سنوات قليلة ونسمع عن سقطات وفقر وانهيار.
وغني عن القول إن هذا لم يحدث، ليس دفاعاً عن الحضارة الغربية أو الأمريكية أسرد هذه الوقائع، لكنني أريد أن أؤكد أن المجتمعات الواعية المتحضرة باتت مع مرور الزمن تملك خاصية إصلاح أي تخلخلات أو عقبات وتواصل مسيرتها.
وأحسب أن كثيراً من دول عالمنا العربي بحاجة ماسة لفهم مثل هذه الدروس العميقة في كيفية أن يصلح المجتمع نفسه ويواصل الانطلاق بعفوية وهدوء.
العدائية التي ملأت الذهنية العربية ضد كل تطور وتقدم إنساني يجب إقصاءها وإبعادها عن مفاصل حياتنا التعليمية والتربوية، لأننا نريد جيلاً متسلحاً بالعلم تعمر قلوبهم مشاعر الحب والتسامح وجدية العمل لبناء أوطانهم دون أحقاد أو تطلعات حزبية مقيتة ضيقة.