اتكأت على وسادتها، لتعد الأيام الباقية لبلوغها سن الخمسين، أربعة عشر ليلةً وتتجاوز أم محمد العمر الذي حددته مصلحة السجون ليسمح لها بعد ذلك بزيارة فلذة كبدها الذي حرمت منه منذ نعومة أظافره.
أمامها أسبوعان ويتحقق الحلم الذي طال انتظاره، لتلتقي أم محمد العمصي بابنها الأسير بعد قرابة ستة أعوام من السجن، حرمت خلالها من رؤية ابنها حتى لو لمرة واحدة، سوى الاجتماع في المنام.
بشحابة ذلك الوجه وتجاعيده بدأت أم محمد تروي تفاصيل استعدادها لرؤية إبنها فتنوي تحضير الطعام والملابس والعديد من الضروريات الأساسية التي تلزم لكل أسير، فهذه هي أول زيارة لها لسجون الاحتلال فمعظم الحديث مع ابنها الأسير يكون من خلال هاتفٍ متقطع الصوت كل فترة وأخرى.
لحظة صمت وبدأت أم محمد تتمتم قائلةً عن تحضريها لليلة ما قبل الزيارة: "لا أعرف طعم النوم وسأشغل نفسي بأعمال المنزل، حتى يأتي الفجر، لأصلي وأخرج إلى محطة الباصات".
تتمنى كسر الزجاج.
كعادة أمهات الأسرى تغمض أم محمد عينيها لترتيب الأحاديث التي سترويها لابنها، لكنها واثقة أنه بمجرد رؤيتها ستتلاشى العبارات وتبقى عيونها تكتحل بهيئته.
وتتابع أم محمد وكلها أمل كبير: "ما هي إلا أيام ويسمح ضابط الأمن لي بالدخول إلى السجن لالتقاط صورة تذكارية مع ولدي كبقية الأمهات والزوجات اللواتي تخطين سن الخمسين".
وتوضح وعلامات الحزن تبدو ظاهرة على ملامحها: "لكن اللقاء سيتم من خلال لوح زجاجي سميك - كم أتمنى كسره - لأحتضن ولدي وآخذه بين ذراعي".
حكاية العمصي تتكرر مع أمهات أسرى كثر يتمنين بلوغ الخمسين، فكم هو مؤلم الحديث إلى إحداهن لاسترجاع مشهد اللقاء بولدها خلف القضبان، فتلك أمٌ تحاول لمس يد ابنها ليمنعها الزجاج وكم زوجة تتمنى شم رائحة رفيق دربها، لكن دون جدوى أمام جبروت مصلحة السجون الاسرائيلية.
وعن لحظة استقبالها لابنها تقول والدموع تسيل من عيونها "كل شيء في وقته يا بُني، ربنا يصبرني، فكم كنت أتمنى أن أكون مكان أمهات الأسرى الذين دخلوا إلى زيارة ذويهم ".
وتتهيأ العمصي للحظة احتضانها لولدها محمد قائلة بعفويتها "سأكسر عظامه حين أحتضنه"، مشيرةً إلى أنها متلهفة لضمه بين يديها، دون مقاطعة المجندات الاسرائيليات بانتهاء الزيارة".
دقائق عدة حتى أنهت والدة الأسير بكاءها لتضيف: "سأعاتبه خلال حديثي معه لأنه لم يتصل بي مدة شهر كامل وأنا لم أعرف عنه أي شيء".
جنيف الثالثة لم تحدد أعمارًا
ولم تحدد اتفاقية جنيف الثالثة المختصة في شؤون الأسرى 1949، أعمار المسموح لهم بالزيارة داخل السجون ولا حتى فئات الممنوعين من الدخول إلى المعتقلات.
ووفق القانون الدولي في اتفاقية جنيف، يحق لذوي الأسرى زيارة أبنائهم كل أسبوعين مرة واحدة، لكن مصلحة سجون الاحتلال تحدّد ذلك كل شهرين أو أكثر، بالإضافة إلى تخصص للأسماء المقبولين.
وتجدر الإشارة إلى" أن إسرائيل أفرجت في صفقة تبادل الأسرى المبرمة عام 2011، عن 1027 أسيرًا مقابل جلعاد شاليط، وحينئذ بات يسمح لذوي الأسرى من القطاع بزيارة ذويهم".
زمان برس