أستطيع أن أدّعي أنني من الأشخاص المؤمنين تاما بفرص المرأة في الحياة والعمل بشكل لا يقل أبدا عن فرص الرجل. هذا هو المبدأ الرئيس في المساواة وهو المساواة في الفرص المتاحة والحقوق المكتسبة ولكن هذا لا يعني بالمقابل القيام بزج المرأة في مواقف وظروف تشكل لها ضغوطا نفسية كبيرة وتسيء إليها بحجة المساواة في العمل. هذا بالضبط ما ينطبق على الاتفاقية التي تم توقيعها بين وزارة العمل ووزارة الشؤون البلدية لـ”السماح” للمرأة بدخول سوق العمل في مجال جمع المخلفات أي مهنة عامل الوطن.
يجب أن نكون في منتهى الحذر عند الحديث في هذا الموضوع. مهنة عامل الوطن هي مهنة مشرّفة مثل اية مهنة أخرى يتم فيها كسب الرزق عن طريق العمل الشريف والنظيف. ولكنها في المقابل مهنة قاسية وتتطلب ظروفا في منتهى الصعوبة وعملا متواصلا في الشوارع في مجتمع أقل ما يمكن القول عنه بأنه لا يرحم المرأة في مثل هذه المواقف. من المهم أيضا التحدث عن الخصائص الجسدية لهذا العمل الذي يتطلب الكثير من الضغط الفسيولوجي والقوة البدنية والتي قد لا تتوافر للمرأة في القيام بهذا العمل إلا ضمن ظروف خاصة ربما تكون داخل بعض المجمعات و دون الحاجة إلى رفع الحاويات الثقيلة.
من الناحية النظرية فإن فرص العمل يجب أن تكون متساوية ولكن لا يمكن فجأة القفز عن الظروف الموضوعية المؤسفة لقناعات وأفكار المجتمع وكذلك من شبه المؤكد تعرض الفتيات لمضايقات وتحرشات من قبل المارة سواء لأسباب تتعلق بسوء التربية والأخلاق أو فقط غضبا من وجود المرأة في هذا العمل ومحاولات البعض لتعريضها لمواقف محرجة من أجل أن تتوقف عن العمل.
لا يوجد نقص في مهنة عامل الوطن، ولكن هنالك تردد من الشبان للدخول إليها ولو بشكل مؤقت. دخول المرأة إلى هذا القطاع لن يحل أزمة بطالة ولا أزمة خدمات بل سيوجد أزمة اجتماعية وسلوكية جديدة نحن في غنى عنها. احترام المرأة يعني منحها المساواة في فرص الحصول على العمل المناسب الذي يحفظ كرامتها ويغنيها عن الوقوع في مواجهة ظروف قاسية جسديا ومؤلمة نفسيا وكذلك التعرض للتحرش.
نعرف تماما أن المرأة تتعرض للكثير من الضغوط في عدة مواقع عمل سواء أكان في المكاتب أو الأمن أو التسويق أو حتى في المهن الطبية والتدريسية ولكن هذه تبقى حالات خاصة بعينها يمكن للمرأة التعامل معها ضمن الظروف التي تحيط بها، ولكن في مهنة عاملات الوطن وبشكل خاص -وليعذرني الجميع في ذلك- فإننا سنقوم بتشكيل منظومة متكاملة تجعل المرأة تتعرض للضغط والسخرية والتحرش في كل المواقع وهذا لا يمكن أن يقدم نتيجة إيجابية في أي مجال اقتصادي أو اجتماعي أو مهني.