عرفت ظاهرة الصعلوك الثائر على القيم الاجتماعيه الفاسده منذ القدم وفي مختلف الثقافات ، وتكاد تكون القواسم المشتركة بين كل تلك الشخصيات على، اختلاف اصولها وثقافاتها واديانها ، هي العطف على الفقراء والمهشمين ، ورفض اغلال الطبقية في المجتمع ، والمناداة بقيم العدل والمساواة بين الناس .
قد تختلف الجهة التي يدخل الصعلوك في مواجهة معها تبعا لاختلاف البيئات ، ففي التاريخ العربي ، برز الفارس والشاعر الجاهلي من قبيلة عبس / عروة بن الورد الملقب بامير الصعاليك وبـ ابو الفقراء ، فقد كان ذو همة عالية ونفس شريفه لا ترضى بالظلم فكان يناصر الفقراء ويمد لهم يد العون ، وكان يغير على اموال الاغنياء الذين عرفوا بالبخل فيوزعها على الفقراء ، وكان يجمع المرضى والفقراء ويخصص لهم امكنة للاعتناء بهم ثم ينتقي من تحسنت احواله ليشكل منهم نواة قوة غازيه تعود بالغنائم ، ويتولى بعد ذلك توزيعها على المرضى والمعوزين . وبلغ من شأن عروة ان ابدى العديد من خلفاء بني اميه وعلى رأسهم معاويه بن ابي سفيان ،اعجابهم بسيرته.
وفي التاريخ الانجليزي تبرز قصة روبن هود فارس من العصور الوسطى ، مهذب، شجاع ، وكان يسلب الاغنياء لاطعام الفقراء بمعونة رفاقه من الفرسان ، ولربما دخل روبن هود في مواجهة مع نظام الاقطاع، وقد حيكت حوله العديد من القصص الخياليه مما تطلب مجهودا ضخما من الباحثين لتنقية سيرته من المبالغات .
وللشيشان ايضا نصيب من ظاهرة الصعلوك او الثائر الخارج على سلطة ظالمة ، فبرز مصطلح (اوبرج) " بالجيم المصريه "للتعبير عن تلك الحاله ، واشهر الصعاليك الشيشان هو ( زيلم خان باخو ) الذي برز خلال الحكم القيصري للقفقاس ، كثائر من اجل العدالة الاجتماعيه ، وان كانت اهدافه شخصيه في البدايه ولا علاقة لها بمقاومة الاستعمار الروسي ، الا انه كسائر اصحاب الهمم العاليه قرر ان ينحي الهدف الخاص لصالح هدف عام اسمى واكبر ، فبعد ان حاول الثأر من السلطة واعوانها بسبب ظلم لحق به وباسرته ، تحول في النهاية الى قاطع طريق شريف يسلب القوافل الحكومية ويوزعها على الفقراء حتى ذاع صيته بين الناس واصبح في نظرهم بمثابة المخلص، كان يخوض صراعات مسلحة مع جنود القيصر الا انه لم يعرف عنه انه قتل ايا من الموظفين الروس الذين كانوا يشرفون على المقدرات الماليه للدوله، لم يدخر ( زيلم خان) لنفسه شيئا وعاش السنوات الاخيره من حياته مع زوجته وابناءه متنقلا بين الغابات ، وكان على قدر من الحنكة والحيطه فقرر تعليم زوجته فنون القتال وعلى رأسها الرمايه لتتمكن من الدفاع عن نفسها واطفالها في حال قتل هو .
الصعلوك لغة هو من لا مال له ، الا انه تحول مع الزمن الى مصطلح كما اسلفنا ، ولكل صعلوك بداياته الخاصه وربما اهدافه الخاصة ايضا ، الا ان الجماهير المتعطشة لرمز تلتف حوله ، قد تضع اهدافا جديده في طريق الصعلوك ورفاقه تساعده على اكتشاف ذاته وحقيقة وجوده ، وفي زماننا قد يتغير شكل واسلوب الصعلوك الثائر ، فليس من الضروري ان يتسلح بادوات تقليديه في مواجهة اعدائه ، اذ ربما يكفيه جهاز كمبيوتر وبعض البرامج الالكترونيه وقبل ذلك الذكاء الحاد والاستعداد للمغامرة ، لالحاق اكبر الخسائر بمن يعتبرهم اعدائه الذين يسرقون مقدرات الامم والشعوب ، وربما هذا ما حصل مع قرصان المعلومات الجزائري حمزه بن دلاج الذي تضج وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الاخباريه هذه الايام باخباره فالشاب معتقل حاليا في امريكا بتهمة اختراق مواقع حسابات لاكثر من مئتي بنك وسرقة حسابات مصرفيه ، ويجري تقديمه على انه من اخطر الهاكرز في العالم . الا ان الحقائق اختلطت بالخيال في سرد وقائع سيرة هذا الشاب وما قام به من اعمال قرصنه الى لحظة اعتقاله بالعاصمه التايلانديه بانكونك عام 2013 وتسليمه الى الولايات المتحدة الامريكيه كونه مطلوبا لديها .
اقول ان الحقائق اختلطت بالخيال على ما يبدو ، فالى الان لم تنته محاكمته في امريكا ، ورغم ذلك لا حديث للمواقع الاخباريه العربيه سوى خبر اعلان الحكم باعدامه من قبل السلطات الامريكيه الامر الذي سارعت السفاره الامريكية في الجزائر الى نفيه ، كذلك نفت اسرة الشاب توفر أي معلومات لديها حول اعدام ابنها .
على ما يبدو فان قطاعا عريضا من الجماهير العربية تتعطش لرؤية أي بادرة تلحق الضرر بالدول المستعمرة ووليدتها اسرائيل ، ولنا العذر في ذلك لاسباب لا داعي لتكرارها هنا . لهذا ينظر العديد الى الهاكر الجزائري حمزه على انه بطل قومي استطاع سرقة اموال من بنوك غربيه ، ويبدو ان هذه هي التهمة الوحيدة التي اعترف بها والمثبتة عليه ، بينما ينسج البعض معلومات بحاجة الى التأكيد منها انه سرق اكثر من 4 مليارات دولار من البنوك الغربيه ، وتسبب بخسائر ماليه كبيرة للكثير من الشركات ، وانه وزع اكثر من 280 مليون دولار على جمعيات خيريه بفلسطين وحدها وساعد الكثير من الجمعيات في دول افريقيه فقيره وسيطر على اكثر من 8000 موقع فرنسي واغلقه بالكامل ، كما قرصن مواقع قنصليات اوروبيه ووزع تأشيرات بالمجان لشبان جزائريين للسفر اليها ، و أبرز المواقع التي سيطر عليها بالكامل مواقع الحكومة الاسرائيليه و كشف أسرار الجيش الاسرائيلي للمقاومة الفلسطينية و نشر بيانات هامة لأفراده .وان الحكومة الاسرائيليه طلبت مساعدته في تحصين مواقعها الحساسة مقابل التوسط للإفراج عنه ، لكنه رفض ومازال قابعا في السجن الأمريكي لحد هذه الساعة حيث صدر قرار بتنفيذ حكم الإعدام فيه.
العديد من الجزائريين باتوا يعتبرونه فخرا لهم وربما حذا حذوهم الكثير من العرب من سائر الدول .
قد يكون الشاب رفض فعلا أي تعاون مع اسرائيل ، وهذا ليس محل استهجان ، بل هذا واجبه كعربي ومسلم ، ويبدو ان العديد من متابعيه يرغبون بصناعة نموذج لصعلوك عصري وحديث ، يخوض صراعا الكترونيا ضد اعدائه ، ويشفي صدور البسطاء الذين اثخنتهم جراحات الدول الاستعماريه ، وقد تكون حكاية التأشيرات الاوروبيه المجانيه للطلبه وتوزيع الاموال المسروقه على جمعيات فلسطينيه، مجرد غنائم واهداف مقترحه وضعت في طريق الصعلوك فهل تمكنه ظروف السجن والمحاكمات من النزول عند ارادة البسطاء ، مع ان رجلا يعيش حياة باذخة ويتنقل من بلد الى اخر ويقيم في فنادق خمس نجوم ، لا يتناغم مع الصورة التقليدية للصعلوك الثائر الذي لا يكنز لنفسه شيئا ويوجه كل طاقاته لمساعدة الفقراء.
كلمة اخيرة ، في رأيي ان قرصنة حسابات مصرفيه وسرقة اموال من الاخرين مهما كانت ديانتهم او صفتهم ليس بالعمل اللائق بانسان متحضر ، ويجدر بقراصنة المعلومات ان يستغلوا موهبتهم وذكاءهم في دفع عجلة الحضارة الانسانيه بآليات اكثر رقيا .