انشغل المشهد التشكيلي النسوي في الإمارات، بالكثير من القضايا التي شكلت حضوره في الساحة التشكيلية، واشتركت معظم التجارب في الدولة بعدد من الملامح التي تجعل المتابع أمام حالة متكاملة، لها مناخها الواحد، على رغم تنوع التجارب الفاعلة فيها، فمثلما يمكن الوقوف عند معالجات متفاوتة للتراث في التشكيل الإماراتي بصورة عامة، يمكن قراءة ملامح من هذا النوع في الحالة التشكيلية النسوية.ووفقا للخليج، فإن واحد من هذه الملامح التي تنكشف في تتبع المنجز الفني للتشكيليات الرائدات في الإمارات منذ بدايتهن حتى اليوم، هو الاشتغال الواضح على صورة المرأة، وتقديم مختلف معالجاتهن الإنسانية في هذا الإطار، إذ تظل المرأة هي الأساس لديهن في مختلف اشتغالاتهن وأطروحاتهن، فسواء كانت تعالج الغربة، أو الفقد، أو الحب، أو الموت، أو الوطن، أو غيرها من المفاهيم التي انشغل التشكيل بصورة عامة في معالجتها، تظل المرأة هي المنطلق والركيزة.
يمكن قراءة هذا بصورة واضحة في مجمل المشهد التشكيلي النسوي الإماراتي، فلا تخلو تجربة أي من الفنانات في الدولة، من مساحة واسعة لصورة المرأة في أعمالها، حتى أن بعض التجارب خصصت جل أعمالها لهذا الاشتغال، فصارت المرأة في عملها، وهي المنطقة التي تبحث منها مختلف انشغالاتها الذهنية، والبصرية.
يبدو هذا الملمح مثيراً للتساؤلات عند النظر إلى التجربة التشكيلية للفنانين في المقابل، ولدى النظر إلى التجربة التشكيلية بصورتها العامة، فلماذا الاشتغال على صورة المرأة؟ وهل استطاعت صورة المرأة في التشكيل الإماراتي أن تحمل الهم الإنساني بمجمله؟ وإلى أي حد مثل ذلك تحولاً نحو الذاتي والشخصي مقابل العام والكوني؟ وما أشكال حضور المرأة في التشكيل النسوي الإماراتي؟ تنكشف الإجابات بالنظر إلى المنجز الفني لفنانات إماراتيات بارزات في المشهد التشكيلي، مثل د.نجاة مكي، وفاطمة لوتاه، ومنى الخاجة، من الرائدات، وابتسام عبد العزيز، وسلمى المري، وبدور آل علي، وغيرهن، فلا تخلو تجربة واحدة لهن من اشتغال على صورة المرأة، إذ يرتبط ذلك بعوامل عدة، تتشكل في إطار التجربة الفردية والحالة العامة للفنانات.
أبرز تلك العوامل، هو تكريس جهد الفنانات على الاشتغال الذاتي، وتحول اللوحة إلى مساحة من البوح البصري الذي يتحول ويتشكل وفق الحالة الفردية لكل فنانة، فتصبح أعمال الفنانات أشبه بسيرة تشكيلية لهن، إذ تشكل اللوحة باباً يفتح على الذاكرة كما تؤكد عدد من الفنانات في حوارات صحفية عن تجاربهن.
يظهر هذا في مجمل التجارب التشكيلية النسوية، إلا أنه يبدو بصورة أوضح في أعمال د.نجاة مكي، وسلمى المري، فالأولى تعود في اشتغالها على صورة المرأة إلى ذاكرة الزقاق الإماراتي، حيث تربّت مع والدها الذي كان يعمل في العطارة، وكانت تنفتح على مفهوم اللون والشكل لدى زيارتها له في السوق، حيث تتوزع أشكال القماش بمختلف ألوانه، وتتكوّم التوابل، وتتدلى عناقيد الثمار المجففة، فيما تجعل المري من سطح اللوحة مساحة لحمل تقلبات مشاعرها، وتحولاتها، وفق حالة شعرية لونية متكاملة تخرج فيها من فضاء الحياة اليومي، وما يمرّ عليها إلى مساحة أرحب تجد فيها الخلاص الجمالي والانفلات، إلى ما هو أبعد من الراهن والمعيش.
العامل الثاني لتشكل صورة المرأة في الحالة النسوية التشكيلية الإماراتي، هو الانطلاق من خلفية تعود في جذورها إلى تكريس حضور المرأة في السياق الإبداعي، وفي الحياة بصورة عامة، وهذا تشكل في ظل نداءات حقوق المرأة التي ظهرت خلال القرن الماضي، واستقبلتها المرأة المبدعة برؤيتها، فصارت اللوحة هي الخطاب الذي تعلن فيه عن حضورها في ظل مساحة ذكورية واسعة، يشكلها الفضاء العام، وعدد التشكيليين مقارنة بعدد التشكيليات في الإمارات.
ولا يمكن قراءة هذا الملمح بمعزل عن العوامل الأخرى، إذ يأتي في خلفية المرجعيات التي تنطلق منها الفنانات، فالعامل الثالث هو الحالة الخصبة التي توفرها صورة المرأة، وقدرتها على اختزال الكثير من المفاهيم القائمة في الوعي الجمالي والمعرفي الإنساني، فالمرأة وطن، وأم، ومحبوبة، وهي الشجرة، والأرض، وفكرة الخصب، والمقابل الجمالي للحدة والقسوة، والرديف للمرهف والحساس.
يفسر هذا حضورها في التجربة التشكيلية الإنسانية منذ الرسم بالكلس على الجدران حتى اليوم، لذلك يمكن قراءة شكل حضورها بتنويعات متفاوتة ومتنوعة، ففي الوقت الذي حضرت بصورتها الواقعية في بعض الأعمال، انزاحت أكثر إلى التعبيرية، وبدأت بصورة رمزية لونية وتكوينات في تجارب أخرى.
يظهر هذا بالمقارنة بين تجربة الفنانة فاطمة لوتاه مثلاً، ومنى الخاجة، فالأولى اشتغلت على صورة المرأة بأشكال ومراحل عديدة منها: اللوحة التجريدية التي تظهر فيها المرأة رمزياً عبر اللون أو الشكل الذي يشير ولا يعلن، ومنها العمل التركيبي النحتي المستند في بنائه إلى النص الشعري، كما في تجربة الاشتغال على الروح، وقصائد جلال الدين الرومي، إضافة إلى الشكل التعبيري لصورة المرأة الإماراتية التي قدمتها خلال تجربتها الأخيرة في معرض جمع بورتريهات لشخصيات من الذاكرة الشعبية الإماراتية.
أما الخاجة فلا تعلن عن حضور المرأة بشكلها الصريح أو حتى المجرد، وإنما ذهبت إلى مساحة تشير إلى عوالم حضور المرأة عبر الاشتغال على الحلي والزخارف التي تظهر في الثوب الإماراتي النسوي، فتوظف ذلك في إطار توقفها عند المكان الإماراتي والخروج منه بمحمولات جديدة عبر تلك الزخارف، وعبر الخط العربي.