لا أريد الحديث عن التكبر والتعالي وأنه غير موجود، أو طرحَه بهدف البحث عن الأسباب، أو كيف ينسى الإنسان حجمه الحقيقي ويسير وكأن الأرض على اتساعها لم تخلق إلا من أجل أن يسير عليها، فلا ينظر للآخرين إلا بازدراء وتعالٍ.
ومع الأسف هؤلاء تجدهم في كل مناحي الحياة ومفاصلها، لدرجة أن البعض من محدودي الدخل يتورطون بهذه الممارسة، التي صنف البعض من أنواعها مرضاً نفسياً مثل البرجوازية وغيرها؛ حيث تجد البعض يقترض ويقوم بشراء سيارة فارهة ويتكبد ديوناً كبيرة فقط حتى يظهر أمام الآخرين بمظهر الثري، ويتمكن من ممارسة دور التعالي.
يقابل هؤلاء القلة، أناس حققوا في حياتهم العلم والمنصب والجاه والمال، ولكنهم على درجة عظيمة من التواضع والبسط مع الناس، وانشراح الصدر والتفهم للحاجات، والإصغاء للمطالب ومحاولة تحقيق تطلعات الفقراء والمعوزين في عمل إنساني نبيل. والشواهد عديدة ومتنوعة، ولعل خير مثال يمكن أن أسوقه هو عن تواضع العلماء؛ حيث تجد أنم قدموا للبشرية اختراعات واكتشافات وأدوية مفيدة، ورغم هذا يتحدثون بأنهم لم يقدموا شيئاً وأنهم يسعون للمزيد، في دلالة واضحة على تواضعهم.
من هؤلاء العلماء العالم العربي ابن النفيس، الذي يعد عالماً موسوعياً وطبيباً له إسهامات كبيرة في مجال الطب، ويكفي أن نعرف أنه هو مكتشف الدورة الدموية الصغرى، وهذا الاكتشاف مهد الطريق لما هو أعظم وقاد لاكتشافات عديدة. هذا العالم قال كلمة توضح مدى تواضعه وهي:" وأَمَّا الأَخبارُ التي بأيدينا الآن، فإنما نتَّبعُ فيها غالبَ الظنِّ، لا العِلْم المحقّق". وببساطة متناهية يوضح أن العلوم والمواد التي بين يديه أو تلك التي يعمل عليها، ليست إلا محاولات لم يتم إثبات صحتها، أو أنها في أفضل الأحوال لا تعدو أن تكون نظريات تحتمل الصواب والخطأ، رغم أنه عرف بمهارته في هذا الحقل وتميزه، إلا أنه لم يدعِ الحقيقة أو أن كل ما يعلنه ويقوله هو الحقيقة التامة الواضحة. هذا الرقي الأخلاقي نحتاجه بشدة في مجتمعاتنا، نحتاجه دوماً في حياتنا، تؤلمنا مناظر أناس يحاولون جذب انتباه الآخرين وهم مجرد نكرات، بل قد يكونون عبئاً على أسرهم ومجتمعهم، ثم تشاهدهم يتحدثون بأنفة ورفع صوت على الضعفاء، نحن بحاجة إلى أن نعظم شواهد المحبة والتواضع التي يتمتع بها شيوخنا وقادتنا، ونعمم هذه الفضيلة وننشرها، وليت المناهج الدراسية خاصة للنشء تكون واحدة من أدوات نشر مثل هذه الفضائل وتعزيزها في الأفئدة الصغيرة.