عاد موضوع تمكين المرأة ودعم مشاركتها السياسية بقوة إلى الواجهة؛ مع انطلاق الترتييبات المتعلقة بتنظيم الانتخابات الجماعية والجهوية ليوم 04 سبتمبر 2015؛ وهي عودة تجد مبرراتها في المستجدات الدستورية التي تدعم هذا التمكين (الفصل 19)؛ وفي عدد من التشريعات الأخرى التي فرضتها هذه المستجدات، إضافة إلى أن هذه الانتخابات ستفرز النخب التي يفترض أن تفعّل مختلف الإصلاحات التي راكمها المغرب في المدة الأخيرة بصدد تطبيق جهوية متقدمة ضمن 12 جهة؛ تحظى مجالسها بصلاحيات إدارية ومالية هامة.
تفرض العديد من الأسئلة نفسها في هذه المرحلة؛ حول ما إذا كانت هذه الانتخابات ستسمح بتعزيز حضور النساء اللائي يشكلن زهاء خمسين بالمائة من الهيئة الناخبة؛ داخل المجالس المحلية المنتخبة؛ وما إذا كانت الثقافة السائدة وقواعد اللعبة؛ وأداء الأحزاب السياسية ستسمح أيضا بتحقّق هذا الرهان؛ انسجاما مع مقتضيات الدستور المتعلقة بالحكامة الجيدة والمقاربة التشاركية والسعي إلى المناصفة ومكافحة التمييز..
يحيل تمكين المرأة إلى مجموعة من التدابير والمقومات التي تسمح لها بتطوير كفاءاتها بصورة تجعلها واعية بقدراتها وبإمكانياتها؛ وواثقة في نفسها؛ بما يجعلها قادرة على التأثير في صناعة القرارات وتجاوز مختلف العقبات التي تعوق مساواتها مع الرجل.
إن اتخاذ تدابير حقيقية وفعّالة على طريق التمكين الشامل للمرأة؛ يشكل مدخلا مهما لمعالجة إشكالات ومعضلات ثقافية واجتماعية واقتصادية.. كبرى.
ويتباين التمكين بين ما هو قانوني في علاقته بالضمانات الداعمة للمساواة أمام القانون والمشاركة السياسية والولوج إلى الوظائف العمومية والخاصة؛ والحماية من العنف.. وبين ما هو اجتماعي في ارتباطه بتنشئة المرأة بصورة سليمة مبنية على الثقة في النفس والوعي بالحقوق والواجبات؛ وترسيخ ثقافة مجتمعية تؤمن بقدرات النساء.
وهناك التمكين الاقتصادي الذي يقوم على ضمان الاستقلال الاقتصادي والمالي للمرأة؛ ودعم ولوجها إلى سوق الشغل واستحضار المرأة في السياسات العمومية؛ وأخيرا هناك؛ التمكين السياسي المرتبط بالوصول إلى مراكز القرار السياسي محليا ووطنيا؛ والتأثير في صناعة القرارات.
وينطوي التمكين السياسي على أهمية قصوى؛ بالنظر إلى تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية والقانونية.. على اعتبار أنه يدعم حضور المرأة في مراكز القرار ويجعلها قادرة على تغيير واقعها بنفسها، وتعتبر المشاركة السياسية والانتخابية من ضمن أهم مداخله.
إن التمكين السياسي ليس منّا؛ بل حقّا يجد أساسه ضمن مقتضيات الدستور والتشريعات الداخلية المختلفة؛ والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي تقوم على مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، كما أن الواقع يبرز أن حضور المرأة في مختلف مراكز القرار السياسي يظل محدودا ولا يعكس كفاءتها وإمكانياتها..
راكم المغرب مكتسبات على طريق تمكين المرأة سياسيا؛ ترجمها ولوج هذه الأخيرة إلى المجالس المنتخبة محليا ووطنيا (12 بالمائة من النساء داخل المجالس المحلية وحوالي 17 بالمائة داخل مجلس النواب)؛ و تولّي مناصب وزارية علاوة عن المصادقة على مجموعة من الاتفاقيات؛ وسن ومراجعة مجموعة من التشريعات الداعمة لهذا التمكين.
لقد تطورت وضعية النساء داخل المجالس الترابية بصورة ملحوظة منذ اعتماد التدابير الداعمة والتحفيزية خلال انتخابات 2009؛ غير أن حضورهن داخل مختلف المجالس اكتنفته العديد من الصعوبات والإكراهات الذاتية والموضوعية؛ فيما أبانت العديد من النساء عن كفاءة عالية في هذا الإطار.
إذا كان تطوير تمثيل المرأة في المجالس الجماعية والجهوية؛ سيمكنها حتما من التعبير عن مشاكلها الصحية والتربوية والاجتماعية.. باتجاه بلورة تنمية منفتحة تستجيب لتطلعاتها وحاجاتها؛ فإن الجماعات المحلية تظل من جانبها بحاجة إلى الاستفادة من تجارب وطاقاتها؛ حيث أبانت عن قدرات وكفاءات علمية وعملية في مختلف المجالات والميادين..
إن تحرك الدولة والأحزاب السياسية في اتجاه تعزيز حضور المرأة داخل مختلف المجالس الجماعية والجهوية؛ وتمكينها من مواقع حيوية في هذا الصدد؛ هو مؤشر يترجم استيعاب المقتضيات الدستورية الجديدة ذات الصلة؛ وتعبير عن جدية التدابير الرامية لتحقيق هذا الرهان..
أضحى تمكين المرأة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. أحد أبرز المؤشرات لتقييم مستوى تقدم وتطور الدول ضمن تقارير التنمية البشرية؛ فتعزيز الخيار الديمقراطي ودعم احترام حقوق الإنسان وتحقيق التنمية كلها أولويات لا يمكن أن تتحقق دون فتح المجال لمشاركة المرأة والاستفادة من كفاءتها في هذا الصدد.
لا ينبغي النظر إلى وصول المرأة لمراكز القرار المحلية كهدف في حد ذاته؛ بقدر ما ينبغي اعتباره وسيلة لتجاوز الإكراهات الحقيقية التي تواجه تمكين المرأة في شموليته؛ عبر استثمار ذلك في التأثير في صناعة القرارات؛ وتغيير الواقع وتجاوز الإكراهات المختلفة.
حقيقة أن كسب هذا الرهان هو مهمة جماعية تتقاسمها الدولة ومختلف القنوات الأخرى من إعلام ومؤسسات تعليمية ومجتمع مدني؛ غير الأحزاب السياسية تتحمل مسؤولية أساسية في هذا السياق؛ وتجد نفسها خلال هذه الانتخابات أمام محك حقيقي لقياس جديتها في الشأن؛ سواء على مستوى تزكية الكفاءات النسائية ومنحها المكانة اللائقة بها داخل اللوائح؛ أو على مستوى منحها الثقة في تولي مسؤوليات حيوية داخل المجالس التي ستحظى بكسب المقاعد فيها.