من غير المقبول، أن تبقى نظرتنا للمرأة انها جزء ثانوي بالمجتمع، ونمن عليها، بالتلميح والتصريح، عند منحها "كوتا" في قانون الانتخاب او البلديات، او ميزة هنا او هناك.
ومن غير المقبول أيضا أن نبقى نتفرج على واقعنا التمييزي الذكوري، من دون ان نتحرك تشريعيا او دستوريا، ونكتفي بمعسول الكلام وأجزله، فيما تبقى كل القوانين تمر أمامنا، وفيها ما فيها، من تمييز مسموم بحق المرأة.
ولكن الحقيقة الواضحة أمامنا، أننا ما نزال نجيد فن الخطابة والكلام، وربما الكذب على أنفسنا قبل الكذب على الآخرين، أو بعبارة أدق الكذب على الأخريات، نحن مجتمع ذكوري نرفض الآخر، وما نزال نعيش الجاهلية الأولى، من حيث التفريق بين الرجل والمرأة في القوانين وغيرها، وهذا كله أساسه أننا ما نزال ننهل من نفس الوعاء، الذي نهل منه الأسلاف، من دون ان نغيره، ونتمسك بذات العادات التي تمسكوا بها من دون ان تؤثر فينا المستجدات، ولهذا ما نزال نعتقد أن مكان المرأة البيت، وأنها جسد ومتاع لنا في الدنيا والآخرة! وكفى لها ذلك!
أمر طبيعي، أن يتراجع مجلس النواب عما تبناه من مقترح، قدمته السيدة وفاء بني مصطفى، بمنح المرأة "كوتا" في قانون اللامركزية بواقع 15 %، رغم أن رئيس اللجنة المشتركة التي أقرت القانون النائب خميس عطية، أيد المقترح أيضا، إلا أن ذلك لم يحل دون أن يعود المجلس عن قراره، ويرفض "الكوتا"، ولم تنجح مداخلات المتجادلين ومنهم السيدة صاحبة المقترح ورئيس اللجنة في ثني النواب عن توجههم، فأغلب المشرعين ذكوريون بطبعهم، والا لكانوا أقروا قوانين ومواد دستورية، تكفي المرأة عناء البحث عن "كوتا" هنا أو هناك.
يا ترى، ما الذي يمنع ان يُقر تعديل دستوري يساوي المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات؟ وما الذي يمنع أن تَمنح المرأة جنسيتها لزوجها وأولادها إن أرادت؟ وما الذي يمنع أن يكون عندنا تشريع يعاقب كل من يمارس فعلا "جندريا" بحق المرأة، أو يتحرش بها أو يتلفظ معها أو بحضورها ألفاظا نابية؟ فكل تلك تشريعات نفتقدها وغير موجودة، وما تزال المرأة تسمع ألفاظا سوقية حينا في الشارع وحينا في بيئة عملها، من دون أن نؤمّن لها بيئة عمل آمنة وخالية من تلك الالفاظ.
نحن لسنا فقط مجتمعا ذكوريا، بل إننا مجتمع يكذب على نفسه، فالأرقام تكشف وتعري زيف ما نذهب إليه، فالاحصاءات التي تظهر بين فينة وأخرى، تكشف كم نحن متراجعون عربيا وعالميا، وتكشف أثر الفكر السلفي الذي سيطر علينا سنوات وسنوات، وما يزال مسيطرا، وأثره في تشكيل نظرتنا السوداوية بحق المرأة باعتبارها دخيلا علينا نرفضها في العمل، كما نرفضها رئيسة للوزراء او رئيسة لمجلس النواب او الأعيان.
الأرقام التي تخص واقع المرأة الأردنية تتحدث عن حالها، فتلك الارقام تقول إن نسبة مشاركتها في سوق العمل من أكثر النسب تدنيا على مستوى العالم، أو حتى على مستوى الوطن العربي، ففي دول عربية أخرى، نرى أن ما يقارب ربع النساء يشاركن في سوق العمل، وتزداد هذه النسبة في العالم لما يناهز النصف، في حين أنها لا تتعدى 13 % في الأردن.
نحن مجتمع ذكوري بامتياز، نكذب عندما نتحدث عن المساواة، نتجمّل في المناسبات التي تخصكن، ولكننا في قرارة انفسنا غير ذلك، نرفض تعديل الدستور والنص على المساواة في الجنس لأننا نعرف أن الإضافة تلك تعني مساواة مع المرأة في كل الأمور، نرفض أن نسمح للمرأة بمنح جنسيتها لأولادها ونتحجج بأن ذلك يمكن أن يساهم في خلق معادلات ديمغرافية جديدة، وكأن المرأة أقل وفاء منا، ولا تحب وطنها كما نحبه نحن!
نحن باختصار، نكذب، فنحن مجتمع ذكوري بامتياز وبشهادة ما نقوم به من إجراءات، كلها لإبعاد المرأة عنا، وتركها أسيرة البيت والمطبخ، وغرف البيت المختلفة.