ألفت مجلدات في الأوطان، ووضعت نظريات وعلوماً في الوطنية والمواطنة، وتحدث الأساتذة والمحاضرون والعلماء عن أهمية الوطن للفرد، وهذا الإرث الإنساني ليس في أمة دون الأخرى، بل تجده في كل حضارة، وبين كل شعب، إن فضيلة الوطن وتراب الأرض لا تعدلها قيمة، ولا توازنها ماديات الأرض.
نحن في وطننا العربي بحاجة لإعادة تعريف الوطن، بحاجة إلى مراجعة لمعنى الوطن والمواطنة، هناك لبس جسيم وبالغ في هذا المجال، بل يوجد فهم خاطئ للوطنية، ومعنى الانتماء للوطن، وهذا الجانب يجب أن نضعه بين يدي الخبراء والمختصين في هذا المجال، خصوصاً، علماء العلوم الاجتماعية الذين دون شك ينتظر منهم الكثير في هذا السياق، البعض يعتبر الوطن مكسباً، أو موقعاً، أو مورد رزق لا أكثر، ولا أقل وهذه النظرة المادية خاطئة تماماً دون شك، لا يوجد من يصرح بهذا، لكن هناك من يمارس مثل هذا الفعل دون أن يعلم.
وغني عن القول لو أن الوطن وفق هذه الصيغة لما عاش الآباء والأجداد في صحراء حالكة، أو بين أمواج البحر العاتية، لكنه تراب وسماء وماء وهواء، الوطن منبع الروح والمكان الذي تفتحت فيه العيون، لعلي بقصة قرأتها لأديب خليجي لا يحضرني الآن اسمه تحدث عن صدمته من عدم معرفته بمعنى الوطن وتراب الوطن، يقول هذا الأديب إنه حضر لبلاده بروفيسور أمريكي من ولاية يغلب على أجوائها الطقس البارد والثلوج، ومناسبة الزيارة دعوة تلقاها، لإلقاء عدة محاضرات، البروفيسور كان مصراً جداً منذ يومه الأول على رؤية الصحراء، وبالفعل تم إيصاله لمنطقة خارج العمران فيها كثبان رملية، أخذ البروفيسور حفنة من الرمال، ووضعها في كيس كان يحمله، فأحكم إغلاقه وتوجه نحو مرافقيه من أبناء البلد يستأذنهم في أخذ هذه الحفنة من الرمال لبلاده، لوضعها في قنينة زجاجية، حتى يتذكر رحلته، ويخبر كل من يزوره أنه ذهب في رحلة إلى الصحراء، وهذا تذكار منها.
يقول الأديب لقد ألجمتنا المفاجأة بحق، وهو يستأذننا، لكن البروفيسور أعطاهم معنى في الوطنية عندما قال «هذه حفنة الرمل من وطنكم، ولا أظنكم تمنحونها إلا لمن تعتبرونه قريباً منكم» هذا هو الوطن حب دون شروط ودون مقابل، حب حتى لحبات الرمل الصغيرة.
يجب ألا ننتظر من وطننا ثمناً لعشقه، بل يجب أن نسعى لتعميره وحمايته وصون جباله وسهوله وحماية سمائه وبحره دون تردد، ودون حتى تفكير.