تعيش المرأة في عالمنا الثالث في أسوى حالاتها وأكثرها رداءة من حيث جُملة الحقوق والحريات العامة؛ ومصادرة دورها في بناء واستقامة المجتمع؛ في خضم مجتمع ذكوري مُهيمن على مفاصل الحياة وإدارتها؛ وسطوته في التحكم بأمور ذلك المجتمع على حساب المرأة؛ ومن خلال «الإعاشة» على حقوقها وحرياتها الفردية بسبب النظرة «الدونْيّة» الضيقة التي ما زال المجتمع العربي يحاور المرأة من هذا المنطلق ومن تلك الأسس الفجة على إنها «عورة» وضعيفة وغير قادرة على إدارة المجتمع أو مؤسساته.
وعلى إنها لا تتمتع بكاريزما الرّجل وبالتالي تعرضت المرأة في مجتمعاتنا إلى عملية مصادرة لحقوقها وسلب لحرياتها بطريقة مُنظمة تمت وفق شرائع وقوانين وضعيه صنعها البشر (الذكوريين) من أجل تحقيق رغبات «الأنا» والهيمنة والتسلط لما تحمله النزعة الفردية (الذكورية) في مجتمعاتنا الشرقية من داء العظمة (النستولوجيا) و(النرّجسية)، و(الفردانية) التي تُريد سيادة كل شيء مقابل جعل الأخرين عبيد تحت رحمة سلوكياتهم؛ وهو سلوك لن يمر بدون «حالة عنف» أو «رّدة فعلٍ» عليها نتيجة للتمييز الخاطئ بين كلا الجنسين.
ونتساءل أنفسنا نحن؛ ألم يخلق الله الجنسين الذكر والأنثى متساويين ومن طينة واحدة، ألم يساوي بينهما من حيث الرسم والشكل والهيئة والسلوك والتصرف؛ ألم يلزمهما سواء بسواء في أمور العبادة وتنفيذ واجبات الإسلام وأركانه؛ ألم يوكل إليهما المهمات نفسها الدينية وذات الشعائر والطقوس التعبدية؛ ألم يساوي بينهما في الأجر والخير والثواب، وألم يساوي بينهم في الحساب والعقاب؛ فمن أبتدع كذبة تهميش المرأة إلا قاصري الرؤية والنظر، ورعوي الثقافة، وبدويي التفكير، فالمرأة أساس الرجل وقاعدة بنيان المجتمع، فهي ليست نصف المجتمع وإنما كُله؛ فماذا سيحل بالمجتمعات الذكورية الخالية من النساء؛ هل يستطيعوا إتمام مسيرة حياتهم أم إنهم سيعيشون حياةٍ ضنكا؟!!
فرغم التطور الحاصل في المجتمعات المتطورة والثورات الفكرية وفلسفة الأنوار وثقافة العولمة والحداثة وما بعدها و»السوبر حداثة»؛ وما زالت المرأة العربية تعاني من عملية تهميش منظمة وفجة، وكأنما لم تشملها فلسفات التاريخ التحديثية أو تقصدها الثورة الفرنسية للحقوق والحريات أو مقررات الأمم المتحدة الساعية إلى تحسين وضع المرأة الفكري والمدني والسياسي وإعادتها إلى دورة الحياة المجتمعية؛ فهي ما زالت «الضحية المغدورة» في واقعنا؛ وتتعرض لعملية إقصاء وتجاهل مُتعمْد وتهميش على «الهوية الأنثوية» لمجرد إنها إنثى!!
لكن كُل ما قيّل في مجتمعاتنا عن المرأة تنكيلاً بها وانتقاصاً من دورها وموقفها في الحياة ما هو إلا عملية «مؤدلجة» زائفة الغاية منها منعها من مواصلة الحياة إذ غالباً ما يشعر الرجل بإن المرأة لو أعطي دورها فإنها سوف تنافسه على منصبه أو مكانته أو مركزه الاجتماعي لما تمثله من نسبة متفوقة على الرجل في المجتمع كإحصاء سكاني؛ وبالتالي فهو يعتبرها خصماً نداً ومنافساً قوياً له؛ لا أنْ يعتبرها نصفه المنقوص؛ والإعوجاج الذي تستقيم به حياته!!
وبالتالي فالمرأة هي ليست نصف المجتمع _ كما يُشاع فهمه _؛ بل هي كُل المجتمع؛ ويستحيل علينا؛ كذكور أنْ نعيش من دون نصفنا الثاني و»كُلنْا المجتمعي»؛ فالمرأة هي بيت الرحم للطفولة، والعمود الفقري لبيت الزوجية، وهي كُل شيء في المجتمع والذي يحاول تهميشها أو إلغاء دورها فليجرب حياته من دون أم أو زوجة أو أخت أو بنت؛ يكفي إنْ بعض من النساء ما زالت الجنة تحت أقدامهن تتدفق من المنْ والسلوى، عبيراً فواحاً من سندسٌ واستبرق؛ فلا ينبغي أنْ تبقى ضحية ذكوريتنا الفجة، لأنها أسمى من أنْ تُستعمل كخادمة أو ينظر إليها كعورة.