الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

بين بنات فلسطين ونسوياتها قضية متشابكة الأطراف ضائعة

  • 1/2
  • 2/2

نادية حرحش - فلسطين - " وكالة أخبار المرأة "

بنات فلسطين كتاب لأمل قعوار يرصد النضال الفلسطيني بنسائه منذ ايام الانتداب حتى التسعينات. ومذكرات النسوية الاولى لعنبرة سلام الخالدي، يحاكي احاسيس ونضالات المرأة الداخلية وسبل تحريرها.
فما بين الكتابين كانت كذلك سيرة ليلي خالد التي تابعت حياة ليلى في السبعينات، وتكلمت كثيرا عن الوجه "الفدائي" للنضال الفلسطيني.
وفي الجانب المقابل للكتب المكدسة بقراءاتي المتقطعة لا تزال يوميات خليل السكاكيني تنتظر رجوعي. فتوقفت في مكان بدا لي غير مبشر، استعصى في مرحلة ما على فهمي، عندما وجد نفسه منفيا الى سوريا.
هكذا كتب لا يمكن قراءتها بدون الولوج فيها بشخصانية كبيرة. وما يحدث قصريا. فعادة ما نتعاطف مع كاتب او مع بطل الرواية ومع مكانها واحيانا نربط الحبكة ونشبهها بحكايانا.
الا ان هذا النوع من الكتب والاخص السير الذاتية، يحاكي المكان نفسه والصراع ذاته، والاشخاص في اغلبهم مرت اسماءهم وعائلاتهم على ارفدة حياتك. فالقدس تحديدا صغيرة وفلسطين ليست اكبر بكثير لتترامى اطراف حكاياتها.
ولكن ما كان اقوى من شعور الاثارة الذي يربطك شخصيا باماكن السطور وشخوصها، فلقد تعرف فلان ولقد تكون سمعت عن علان، ولا بد انك تعرف المكان الذي تصفه العبارات والتي تتحدث عنه الكثير من الفقرات. قد يرافقك شعور بالاقتراب او الاغتراب من جملة ما او فقرة او كلمة. فإن الشعور الاقوى الذي يعصف بك هو تلك الحقيقة المفككة المبهمة عن واقعنا. فهناك حقائق برؤوس اقلام واضحة ومعرفة تربينا على حفظها ومعرفتها وحتى انها سكبت في عقولنا وجمدت واغلق عليها. فلقد يجتمع الواقع العربي والفلسطيني على تعريفات مؤرخة في تلك الحقبة التي علمت مع بداية القرن العشرين. فهناك انهيار الامبراطورية العثمانية ووقوع فلسطين في صحن الانتداب البريطاني قبل  الالتهام الكامل للامبراطورية الراحلة فيما بين افواه الاستعمار الغربي. وهناك النكبة الفلسطينية والنكسة وحرب الكرامة وصبرا وشاتيلا واعلان الاستقلال واوسلو.
فيما بين تلك الوقفات التاريخية التي شكلت ما نعيشه بهذه اللحظات من فتات تلتقطه افواهنا نحن مما تبقى من حلم بوطن عربي وآخر تحرير لفلسطين، تكمن الحقيقة المبهمة التائهة منا. وكأننا بوعي اعصبنا اعيننا عنها نثرنا عليها اغبرة الزمن لكي لا نرى حجم المصيبة التي نعيشها حتى تجلت امام اعيننا كما تتجلى اليوم.
فالواقع الحالي من فتات وشتات ودمار ليس صنيع المرحلة الحالية فقط. ليست مصادفة ولا غضب الهي تلك الانهيارات المتتالية التي يتسابق فيها انهيار الكيان العربي. فنحن شعوب لا نعرف الا التعامل مع الحاضر بردات فعل لا تتعدى النحيب والصياح والشجب وتقتصر رؤيتنا على ما لا يتعدى انوفنا وننشغل به. ونرفض بشدة الرجوع للماضي والتعلم من اخطائه ونصر وبشدة بأن الأسوأ مستحيل لاننا شعوب الايمان بقدرة الله واصطفافه مع حزبنا هو الغالب فينا.
ويبقى واقعنا الهلامي كالفقاعة المرمية على الارض بعد الاستمتاع والانبهار برقصاتها المحدودة والمؤقتة في فضاء نتحكم تماما بمجاله قبل السقوط الابدي الى التراب. نستمر في نفخ فقاعات جديدة موهمين انفسنا ببهاء الرقصات المائية المؤقتة ، وما نلبث نعي الا اختفائها . ولكن الحقيقة الكامنة والمتربصة لنا بفقاعات تفجيرية مليئة بالكبريت والسموم وليس الماء والصابون. وكأننا اعتدنا عليها ولا نزال نصر على حالنا المؤقت.
وحالي لا بد لا يختلف عن حال الاكثرية التي دأبت على تسكين الامها ومواجعها بعدم المعرفة والسعي وراء قوت يومها، لعل وعسى، لان ما يلحق بنا لن يقدر على خلاصنا منه الا الله. وبالفعل، فرحلتنا الى الله ظهرت بالحركات الاسلامية التي استمرت بالتزمت والتجرد من الله حتى اصبحت ما نراه اليوم من داعش وتحت لواء الله.
وبين ألوية الله المختلفة والمتعددة التي ننتمي جميعا اليها، لا تزال الحقيقة ملقاة لتشكل قمما داستها اقدامنا ولم نعد نعرف شكل وقيمة وهوية الميت الذي دفنناه.
ولعل مرور الزمن من جهة، وتعقيد الامور من جهة اخرى جعلتنا مع استسلامنا مقعدين حول انفسنا بلا حراك. ما فعلته بي تلك القراءات يشبه النبش بالمقابر. وكآني ابحث عن عزيز فقد في زمن ما ودفن في مقبرة جماعية تم اكتشافها حديثا. وفي رحلة البحث عن هويته، تبدأ رحلة معاناة كل تلك العظام المتراكمة بحثا عن قبر يليق بالتضحية التي قدموها اولئك الذين قضوا من اجل نفس القضية التائهة منا.
بينما احاول رصد الحراك النسوي في تلك القراءات، التقرب اكثر من معاناتها وحروبها في كسر القيود والتحرر. رأيتني كتلك النساء استسلم تماما لمصيري ولا اجد بديلا عن ربطه بقضية الوطن. فكما استمرت المرأة الفلسطينية في تأجيل قضاياها من اجل القضية الاهم وهي تحرير الوطن، هكذا استبعدت وتلقائيا قضايا المرأة البديهية المستعصية من اهتماماتي.
فبينما كان الغرب يقترب من افتراسه المحكم ووضعنا بين فكيه، كانت النساء لا تزال تناضل من اجل التجرؤ على نزع الحجاب. والحجاب في ذلك الوقت لم يكن مقصورا على غطاء الرأس، بل كان غطاء الوجه. فعندما وقفت هدى شعراوي في محطة القطار مزيلة لغطاء وجهها، كانت هذه من اعظم الكبائر. وعندما قررت عنبرة سلام الخالدي رفع الغطاء لتستطيع ان تقدم خطابها بلا تلعثم كان يحجبه الحجاب، قامت بيروت ولم تقعد. ونسوا العالم بطش الاتراك المنصرم والانتداب الذي كان يقطع بهم اربا، وكان رفع حجابها هو موضوع الخطاب.
في كل مرة كانت تصل فيه المرأة للخروج الى حريات بديهية، كانت حرية الوطن تقف امامها وكأن ما تبغي الوصول اليه هو المهدد الاكبر للوطن.
واستمرت المرأة في مراوغاتها بلا كلل، فلم تطلب او تبتغي يوما التمرد على الرجل. فبكل ومع كل محاولاتها بالتحرر من قيود الذكورية التقليدية، كان للتقاليد الحصة الكبيرة في نهجها. فبقيت خطواتها بطيئة وتأخذ طبع المراوغة الذي ابدا لم يكن ليخرج عن طوع الاب والاخ والزوج. فالحقوق المبتغاة كانت حقوقا تستطيع فقط ان تنالها من خلال اعطاء الرجل لها اياها.
وترى السيدة الفلسطينية ابان الثورة في السبعينات بين رحلات الشتات للمقاومة ما بين الاردن وسوريا ولبنان ونزولا بتونس تجرأت على التحدي من اجل القضية . فكانت النتيجة الحرمان من الامومة والطلاق والعنوسة لانها ندرت نفسها للقضية. وما لبث الاعلان عن وقف المقاومة المسلحة حتى وجدت تلك النسوة انفسها  في اماكن اكثر ذكوره من الذكور لتحافظ على بقائها. فتحولت بنات فلسطين في تلك الجزئية الى بنات المنظمة التي حولتهم فيما بعد الفصائل الى ذكورهم. فذكرني المشهد وبطريقة محزنة بالخصيان في زمن الخلافات السابقة. فاصبحت تلك النساء التي ضاع شبابهن وجمالهن وانوثتهن من اجل قضية كفاح قدمن فيه مع اولئك الرجال المخلصين لنفس القضية امام خيار وحيد بالترجل عن حلم المقاومة والاسترجال للبقاء مع رجالات القضية التي ما لبثت ان تتحول من قضية شعب لقضية حفنة من الشخوص رددوا ولا يزالوا شعارات التحرر والتحرير حتى سئمنا الحرية وتفرقنا واياهم طوعا في القبوات التي اعدها لنا الاحتلال كل على مقاسه وانتمائه واحتياجاته.
واصبحت تلك النساء كالرجال تصيح وتندب وتشجب وتؤكد على استحقاقها لتاريخها النضالي العريق الملىء بالتضحيات لراحتنا نحن. فالاستحقاق الذي تم المطالبة به من بنات وابناء الفصائل بالرغم من ايفائه وبكل اسى من لحم القضية وارضها وليس فقط ابنائها، لم تنل فيه المرأة الا الحصة التي رماها امامها الرجل. فلا الحصة الشرعية ولا تلك المناسبة لنضالها … تلك فقط التي املاها المجتمع الذكوري التي حافظت هي على بقائه واستحسنت بما ظنته دهاءا منها الحصول على بعض الحقوق فيه. فالمرأة الفلسطينية تشبه المجتمع العربي، وتاريخه الحديث. تسعى بالاساس من اجل حقوق حقيقية وحريتها هي قلادتها التي تقسم بها، ولكنها كالعرب في سعيهم وراء التخلص من الاستبداد ، تخلصوا من مستبد ليقعوا في معتد غاشم وهكذا دواليك.
قراءاتي لتلك السير الجميلة الحقيقية الهادفة الساعية فعلا وحقا وراء الحرية، اوقفتني في اماكن تاريخية اخرى، لا بد البحث فيها بوعي اكثر. وجعلتني اقف لاختم امام التساؤلات التائهة التالية:
تلك الفترة الاخيرة للخلافة العثمانية، والتي رافقتها مذابح الارمن واليونان والاسيريين واستبداد وسفك للدم العربي من قبل جمال باشا (السفاح)، الذي نجح باقناع العرب بدءا بالالتفاف نحوه للتخلص من السلطان عبد الحميد، ليعوا وبسرعة فائقة بأنه كان كارها للعرب وحاقدا عليهم. وما تذمروا منه من تهميش بحقهم من عبد الحميد كان زوبعة في فنجان. فلا نزال نحن العرب نعتمد على المسلسلات التركية وسرايا عابدين لتكون منبرنا الثقافي لفهم التاريخ. فلقد نشأنا على كرهنا للاتراك والسلطنة العثمانية، رامين وراءنا كل ذلك التاريخ العظيم للخلافة الممتدة في أرجاء المعمورة، وكأجدادنا احتفلنا بما كان سقوطا لليبيا والشام وما صار يتردد على لساننا من "مستعمرات عثمانية على ايدي الاستعمار الغربي الذي فتحنا له اذرعنا وتحالفنا معه . لننتبه وبوقت قياسي اخر لا يحتمل الشك باننا تحالفنا مع الشيطان. فاصبح حليف الامس عدو اليوم، وهكذا توالت علينا الائتلافات والمؤامرات وتشكل عالم عربي بني اصلا على باطل. ففي رحلتنا بالتخلص من البطش العثماني الذي لا افهم بعد كيف توقف عن كونه مسلما بالنسبة الينا، رمينا انفسنا نحو خلاص مع عدو كان دائما معرف. فهل كانت تلك سذاجة ام خيانة؟ ام ان القهر كان هكذا مستفحلا رمانا طوعا في حضن الشيطان؟ وكم يشبه ذلك الحال حالنا اليوم . عندما يفكر المقدسي منا بالذهاب طوعا للحصول على الجنسية الاسرائيلية. حينما يتحالف المسلم في العراق وسوريا على اخيه المسلم مع المرتزقة او الامريكي المحتل او غيره من متآمرون ضده ولا يأبه الا بالانتقام او الهروب نحو خلاصه فقط. ما نراه في تناحر فيما بين الفلسطينيين بين فتح وحماس، وما بين المصريين في شرخ قسم الشعب الى اخوان وغير اخوان. وبين حوثيين في اليمن شيعة يجب قتلهم وبين حزم امر عرب على التحالف على العرب انفسهم. بين ابتهاج وتهليل لمصائبنا التي غضضنا الطرف عنها في سبيل التخلص من الاخر منا الذي انتدبناه الد عداوة من اعدائنا.
وتساؤل نحو الواقع كذلك، كيف تتكشف لنا الايام هذه عن خطة كانت منذ اليوم الاول يتم تنفيذها وكنا نحن العرب نضحد تصديقها واستمرت بالتكشف واستمرينا بالانكار حتى اصبحنا جزءا منها. فما اشبه ما نعيشه اليوم بالذي جرى علينا يوم ساهمنا بالتخلص من الامبراطورية العثمانية وهللنا لسقوطها واعلنناها العدو الاكبر لنا. وكحالنا اليوم نجري وراء فتات ما كان ارضا ووطنا وقضية…
نعيش نفس التيه … ونمارس نفس الجهل … ولا نزال نقع في نفس الاخطاء والتي لم يعد لها تعريف الا بالخطايا ولا نزال نكررها وبلا حياء….

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى