كي نكون واقعيين، خير من يستطيع التحليل في مشاركة المرأة ناخبة ومنتخبة بالانتخابات البلدية كتجربة أولى هي المرأة في مجتمع محافظ، وانطبع بأعراف معينة لعشرات السنيين، قرار مشاركة المرأة في أي مساهمة تنموية وطنية بات طبيعيا، لأن المرأة أثبتت وجودها تعليميا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا، وأصبحت ركنا من أركان التنمية في الوطن. ليس الحديث عن شعور المرأة و إحساسها في المشاركة بصنع قرارات تتعلق بأهم مرفق من مرافق التنمية وهي البلديات، فهذا شأن خاص بها هي أقدر على التشخيص و الخروج بنتائج تلائم نظرتها ودرجة وعيها لأمور الحياة. لكن الموضوع متعلق بالبيئات الحاضنة للأنثى والظروف المحيطة بها، التي تتفاوت في درجة الثقافة والوعي العام من منطقة إلى أخرى. التفاعل مع هذا القرار لدخول المرأة في المجلس البلدي أيضا مختلف من منطقة إلى أخرى، مهم جدا درجة استجابة و تفاعل الرجل مع الحدث الانتخابي، لأن المجتمع اعتاد السيطرة الذكورية في جميع القرارات المتعلقة بنواحي الحياة، إضافة إلى خطاب ديني متشدد في نظرته لمشاركة المرأة في اتخاذ القرارات التنموية والعامة.
تاريخ الخطاب الديني وسيطرة العقلية الذكورية على نواحي الحياة، لن تكون في صالح المرأة كنظرة واقعية، ونستشهد بالتجارب في الدول المجاورة التي سبقتنا بمشاركة المرأة في الشؤون العامة، ومع هذا لم تحظ بالأصوات التي تؤهلها لتنافس الرجل. رغم أن ظروف هذا العصر مختلفة تقنيا، حيث نقلت المجتمع نقلة نوعية كبيرة، أي أن ما تغير في تفكير الرجل والمرأة في الـ 15 سنة الماضية أكبر مما تغير في الـ 30 سنة الأخيرة من القرن الماضي (1970 – 2000) فيما يخص المعلومات والتطورات الثقافية والاجتماعية والفكرية، التي نقلت المجتمع إلى تقبل أفكار و آراء لم يكن يؤمن بها سابقا، لكن بسبب التقنية الاتصالية والثورة المعلوماتية، حيث أصبح هناك قبول لأمور كانت أقرب إلى الحرمة بسبب الأعراف. هذه النقلات النوعية الاجتماعية التي كسرت قيودا تقليدية وأزالت حواجز من العادات أتاحت للمرأة التحرك في ميادين مختلفة، وأثبتت شخصيتها في الجامعات والشركات و ريادة الأعمال. في عالم التغيير و بيئة التحولات الثقافية والاجتماعية، وجدت المرأة ضالتها في اقتحام الساحة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، من أجل تقديم وجهة نظرها و مشاركتها في التخطيط و التنظيم، وهذا مكسب اجتماعي واعتراف بدور المرأة في التنمية. لا أحد يختلف في أن المطلوب في الحراك الاجتماعي والاقتصادي والثقافي عدم تجاوز الشرع، سواء بالنسبة للرجل أو المرأة. بما أن الإسلام أتاح للمرأة في صدر الإسلام المشاركة الاجتماعية والتعليمية وبأمور أخرى، فينبغي في عصر الوعي التعليمي والثقافي أن تأخذ حقها المشروع. مع هذه العقبات الاجتماعية، الأهم في الموضوع هي نظرة المرأة لنفسها و كيفية تقديم نفسها كمواطنة واعية لديها القدرة في صنع القرارات، وإثبات شخصيتها كامرأة متسلحة بأدوات الحراك الاجتماعي، وتستطيع أن تواكب المستجدات الاقتصادية والثقافية، و درجة ثقتها بنفسها في تسويق مواهبها و طاقتها، لتساهم في بناء مجتمع وتشارك في التنمية الوطنية بجدارة.