الأدب ، المجتمع ، المرأة ، مثلث مترابط الأضلاع ولايمكن فصل الأدب عن المرأة ولا عن المجتمع. فالكاتب لا يكتب في كهفه الأدبي المنعزل بل يكتب بنبض المجتمع وبشعور المرأة ، بمعاناة الفقراء ، بفرح المرأة ، بحزنها بقهرها ، وبانتصاراتها ؛ وإلا سيتحول الكاتب إلى مجرد ناقل للأفكار ومصور للأحداث.
لكن هذه العلاقة الوطيدة تستلزم عناصر أساسية وهي الفهم العميق لثقافة المجتمع ، الإطلاع العلمي على كل ما يحدث به من تغيرات ، عدم فرض الكاتب لرأيه عما يكتب إلا إذا كان يمتلك الثقافة الواسعة والمعرفة العلمية والإجتماعية كي يسمح لنفسه بعرض المشكلة ومن ثم إيجاد الحلول لها ؛ وهي مسؤولية كبيرة لأن الكاتب من أحد أهم العوامل المؤثرة في المجتمع ويتعمق هذا التأثير حين يكتب عن المرأة ، لأن المرأة تبدو أكثر تأثراً بالأدب من الرجل لأن الأدب يحاكي مشاعرها وأفكاره خصوصا حين يكون الكتاب يتحدث عن معاناة مشابهه لمعاناتها أو أمالها.
لطالما أثر الأدب بالمجتمع ، بل لطالما منح حلول لمشاكل معقدة خصوصاً فيما يتعلق بالمرأة . أما فيما يتعلق بالمجتمع ككل فالعديد من الروايات العالمية غيرت مجرى الحياة السياسية لدولة ما أو ألقت الضوء على معاناة أجتماعية تم تجاهلها . من هنا تبدو أهمية مسؤولية الكاتب تجاه المجتمع بجميع فئاته .
ولكن المشكلة في عالمنا المعاصر ليس في الرابط ما بين الأدب وبين المجتمع أو المرأة ، المشكلة تكمن في تقلص مساحة الأدب في المجتمع حتى في المناهج الدراسية رغم أن العديد من الدراسات الغربية أثبتت أن الأدب له انعكاس هام على شخصية الأطفال خصوصاً من يعانون من أوضاع اجتماعية صعبة . لقد أسهم التطور التكنولوجي بهذا الإنفصال البطيء والعميق ما بين الأدب والمجتمع .
ومن ناحية أخرى ، وفيما يتعلق بالمرأة ، فقد أفرز المجتمع المعاصر نوع من الأدب يعتمد في عرضه على ترسيخ دور المرأة الضحية مع تهميش نماذج من النساء ممن تفوقن وأثبتن جدارة عالية وذلك بدافع عرض معاناة المرأة بصورة متكررة ومتعمقة ؛ هذا الأدب أغرق المرأة بدور الضحية دون أن يقدم نموذج لامرأة مستقلة معتمدة على ذاتها ولها أهداف في الحياة عدا عن كون الرجل مركز الاهتمام بحياتها ، منه تستمد سعادتها ومنه تستمد تعاستها بل ودمارها أحياناً.
أحد أهم ما أفرزته الحضارة المعاصرة الغربية والتي تنعكس على مجتمعنا الشرقي هو الاعتقاد العميق والمتجذر بأن سعادة المرأة لابد أن تُستمد من الرجل ، ولدى العودة إلى تاريخ المرأة العربية حتى قبل الإسلام لم يكن يوجد هذا التشبث بالرجل ، بل كان للمرأة شخصيتها المعنوية وحياتها حتى ولو كان الرجل غير موجود . كن صاحبات شخصية قوية ، شاعرات وصاحبات حكمة عميقة ولم ترتبط هذه الحكمة بالرجل بل بمنظور الحياة بمجملها. الحضارة الغربية لها إيجابيات كثيرة ولها دور إيجابي أيضا في عديد من الزوايا بتطور المجتمع ، ولكن لابد من الحذر مما تقدمه هذه الحضارة ليس على سبيل الرفض بل التدقيق لوجود ما هو قيم ومفيد بها؛ ولكن الملاحظ حالياً في العديد من الروايات والأفلام والكتب الفكرية وجود إتجاه قوي نحو التشبث بالرجل واعتباره المصدر الأول للسعادة وليس أدل على ذلك من حجم الكتب والمقالات الإلكترونية التي تتحدث عن كيفية الحصول على قلب الرجل ، كيفية الزواج به ، كيفية السيطرة عليه وأن المرأة بدونه مجرد مخلوق هائم وضائع في الحياة . أي أن الحضارة الغربية قدمت الحرية الجسدية والمادية للمرأة ولكنها قيدتها بقيد خطير وهو التعبية النفسية والعاطفية للرجل وهي تبعية مدمرة أكثر من التبعية المادية . إن حرية المرأة الحقيقية تكمن في استقلالها النفسي والفكري وألا تكون إلا مع رجل يقدرها ويحترمها وإلا فالحياة واسعة وجميلة ومفتوحة الأبواب لكل مجتهد سواء امرأة أو رجل.
لابد للأدب المعاصر أن يكون على مستوى التطورات الإجتماعية ، لايمكن الكتابة عن أحداث معاصرة خاصة بالمرأة مع فكر ينتمي إلى عصر التبعية المطلقة للرجل معنويا وفكريا عاطفيا حتى ولو كانت المرأة مستقلة مادياً. لابد أن يتواجد أدب يمنح مساحات أوسع لقضايا اجتماعية انسانية برؤية حديثة منطلقة من أبحاث علمية وحلول حديثة لمشاكل المجتمع . القاريء يريد أن يقرأ عن معاناة تقترب من معاناته ولكنه فعلياً يريد بنهاية الكتاب أن يجد حل ما لهذه المعاناة بل ويريد عرض سليم ومشوق لهذه المعاناة.
حين يصبح الأدب مسؤول وملتزم ومراقب لكل تفاصيل الحياة من حوله سواء للمرأة أو للمجتمع يتحول إلى جزء لا يتجزأ من كينونة المجتمع ، بل يتحول إلى طوق نجاه ، ومهما أحتلت التكنولوجيا مساحة الفكر والوقت في المجتمع ، يبقى كتاب نقرأه في آخر الليل من أمتع وأجمل لحظات اليوم ، لذا كان على الكاتب أن يحب ما يكتب وأن يحترم مشاعر القاريء وأفكاره وعلى القاريء أن ينتقي بعناية ما يقرأ لأن ما يقرأه له عميق الأثر على مشاعره وأفكاره بل وأحياناً على مجمل حياته.