أصدرت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات منذ يومين بيانها الختامي للمحكمة الصورية للنساء التي أجرتها خلال شهر ديسمبر 2013 وشاركت فيها نساء من بلدان عربية مختلفة، حول العنف والانتهاكات بكل أنواعها التي تعرضن إليها.
تجربة المحكمة الصورية تعد الأولى من نوعها في البلاد التونسية، ولقد شهد التاريخ المعاصر مثيل هذا الإجراء القضائي إذ أُقيمت سابقا محاكم مماثلة لمحاكمة مجرمي الحرب من النازيين من خلال محكمة صورية شكلتها الأقلية اليهودية حاكمت فيها مجرمي الحرب، كما شهدت لبنان محاكم عديدة مماثلة. والمقصود بالمحاكم الصورية هو انعقاد مجلس قضائي يتسع لتمثيلية كل من الضحية و الجَلاَّد على أن يكون مشفوعا بإصدار حكم، وهو بمثابة المجالس التحكيمية غير أن نقطة الخلاف مع مؤسسة التحكيم قائمة على مبدإ رضا كل الأطراف وهو ما يكون عادة مستحيلا من زاوية مصلحة المتهم و هو الجَلاَّد، على أن يوجّه إليه في كلّ الحالات قرار الإحالة مع استدعائه لحضور جلسات الاستماع و التصريح و تمكينه من محام يدافع عنه، و في حالة غيابه و هي الحالة المرجحة يصدر حكم الإدانة.
وتندرج هذه المحاكمة وفق الجمعية النسوية التي نظمتها، في إطار نشاط لجنتها "أي عدالة انتقالية للنساء؟" وسعيها لمساندة النساء اللاتي "خُيب أملهن من خلال محاكمات الشهداء وجرحى الثورة" ونتيجة ما لاحظته الجمعية من مماطلة في ضبط آليات العدالة الانتقالية، ونتيجة لما اعتبرته ازديادا "للعنف المسلط على النساء منذ انطلاق المسارات الثورية في العديد من البلدان العربية".
وصرحت عضو الهيئة المديرة للجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات نائلة الزغلامي أن هذه المحاكمة الصورية تهدف أساسا إلى كسر جدار الصمت حول الانتهاكات التي طالت النساء في تونس منذ سنة 1956 وفي العالم العربي ككل في أغلب المحطات التي عرفها وآخرها الثورات التي ما يزال يعيش تحت وقعها وارهاصاتها. وبيّنت محدثتنا أن التفكير في تنظيم هذه المحاكمة جاء في إطار مشروع العدالة الانتقالية وعلى اعتبار أن "ما يمرّر حاليا من طرف كتلة حركة النهضة في مشروع الدستور يتناقض ومبدأ كشف الحقيقة والعدالة الحقيقية" كما اعتبرت أن العدالة الانتقالية المروج لها حاليا ليست العدالة الانتقالية المرجوة والمفروض تكريسها والتي ستنصف ضحايا الانتهاكات خصوصا من النساء، على اعتبارها لا يجب أن تحصر في مجرد التعويضات المادية السطحية بل تكمن أساسا في كشف الحقيقة وكشف الجناة المورطين في جرائم ضد الانسانية وضد حقوق الانسان، ووصفت العدالة الانتقالية الموجودة بـ"العدالة الانتقائية الموازية للعدالة الانتقالية".
وتضمنت المحكمة الصورية جلسة استماع علنية شاركت فيها بالإضافة إلى عدد من الناشطات النسويات التونسيات ناشطات نسويات من كل من فلسطين ومصر والأردن واليمن والجزائر والمغرب، وقد استمعت المحكمة إلى 24 شهادة كشفت عن تنوع أشكال ومصادر العنف المختلفة التي تعرضت لها النساء واشتملت على كل من صدمة الفقدان (فقدان الأحبة) وامتهان الكرامة والاعتداء والتعذيب الجسدي والنفسي والجنسي و العنف الاقتصادي (الفصل من العمل، مصادرة الممتلكات، قتل المعيل الأساسي للأسرة..) والسخرة أو العبودية الحديثة ومصادرة حرية الرأي والتعبير وتجلياته الثقافية خاصة في مجال الموسيقى والمسرح والرقص إضافة إلى مصادرة العمل النقابي. واعتبرت الجمعية أنه وبالرغم من أن معظم هذه الجرائم قد وقعت في سياق ثوري إلا أن التعامل معها تم "بطريقة أبوية وسلطوية منحازا لا للثوار إنما لمن ثار الثوار لإسقاطهم".
وقد توصلت المحكمة الصورية ومن خلال الاستماع إلى الشهادات إلى أن السلطات الرسمية العامة هي من تتحمل المسؤولية الأساسية عن الانتهاكات والعنف الذي مورس وسلط على النساء والمسؤولية الكاملة عن عدم حمايتهم وتوفير الدعم الملائم لهن. كما أجمعت الشاهدات على أن مطلبهن الأساسي هو الكشف عن الحقيقة كاملة فيما يتعلق بما تعرضن له وأسرهن من جرائم وانتهاكات وأشكال العنف المتعددة خاصة القتل والإيذاء من طرف من سمح أو أوعز أو تغاضى عن هذه الجرائم. كما عبرت النساء الشاهدات عن عدم ثقتهن بالمسارات الحالية التي يجري تطبيقها تحت مسميات العدالة الانتقالية لما فيها "من تغييب للحقيقة واعتماد المساواة ما بين الضحية والجلاد واختزال المسار بإعطاء الأولوية لمسعى المصالحة على الحقيقة والمحاسبة بل وفي بعض الأحيان مكافأة وترقية الجناة" حسب البيان الختامي للجمعية. كما أكدت جميع الشاهدات على أن جبر الضرر لا يقتصر على التعويض المادي بل يتجاوزه في الأهمية التعويض المعنوي المتمثل في كشف الحقيقة ومحاسبة الجناة ورد الاعتبار والكرامة والاعتراف بالتضحيات.
ولقد أقرت المحكمة بشرعية مطلب جميع الشاهدات والمتضررين والمتضررات من هذه الجرائم والانتهاكات بالكشف الكامل عن الحقيقة بجميع تفاصيلها وإعلانها على الملأ بما في ذلك الإقرار النهائي لقوائم الشهداء والجرحى ومتضرري الجرائم المرتكبة. كما أيدت المطالب العادلة بالتعويض المعنوي برد الاعتبار والاعتراف بالتضحيات والتعويض المادي والإجرائي وإعادة التأهيل للناجيات من العنف ودعمهن.