ثمة حالة متفاقمة من الغفلة والتراخي تكتنف بعض الاباء والمربين هذه الايام ، فحواها عدم الاكتراث لحجم المخاطر الصحية التي يتعرض لها ابناؤنا نتيجة التعاطي غير السليم مع انماط الحياة المعاصرة .
من واقع تجربتي كام ، استذكر تعليقات طرقت (ولا زالت تطرق) اذني كلما سمعني احدهم اوبخ اطفالي لقيامهم بشراء سكاكر وعصائر ضارة تحتوي على مواد ملونة او الشيبس بانواعه ،،
عبارة (توكلي على الله) ، يقصد بها القائل ، تبديد مخاوفي وحملي على الاسترخاء وانا اشاهد اطفالي يلتهمون تلك الكوارث الصحيه ، مرددو تلك العبارة لديهم رؤيه تصل الى حد اليقين بان كل شيء مقدر ومكتوب ، فلا داعي اذن للحرص والحذر والتضييق على الابناء، وحرمانهم من تناول ما يحبون ، فاذا ما ذكرت لهم ان دراسات وابحاث صدرت عن مؤسسات علميه لها سمعتها المرموقه تحذر من تناول منتجات غذائيه تحتوي على مواد حافظة محدده بالاسم او الاصباغ الملونة لانها تسبب امراضا عديده من بينها مرض السرطان ، يبادر احد هؤلاء المتوكلين على الله فيذكر لي اسماء اشخاص قضوا بالمرض الخبيث مع انهم كانوا احرص الناس على تناول كل ما هو صحي والبعد عن المواد المصنعه .
قد يكون هذا صحيحا ، فربما مات شخص بسرطان الرئه مع انه لم يدخن سيجاره واحده في حياته ، ولكن تلك الحالات هي استثناء ، والقاعده تقول ان التدخين هو مسبب رئيسي لامراض القلب والشرايين وبعض انواع السرطانات ، اذن فالابتعاد عن مكامن الخطر بما فيها مسببات الامراض كفيل بان يجعل الانسان يعيش حياة نوعيه وان لم تكن طويله .
المخاطر الصحيه التي تشكل تهديدا لحياة البشر والناجمة عن تطور الحياة المعاصرة لا تقتصر على التدخين او الاغذية المصنعة ، فهناك اجهزة الهواتف الذكيه والكمبيوتر اللوحي واجهزة الواي فاي التي باتت منتشرة في المنازل والمقاهي والمنشآت العامه وخاصة قطاع الخدمات السياحيه ، والتي لها تأثير بالغ على صحة البشر ، وهناك من العلماء في الغرب من تطوع لنشر تلك الحقائق في الاعلام ويجري تداولها هنا بين مشتركي تطبيقات التواصل الاجتماعي وخاصة الواتس اب ، ولكننا نتغافل عن التعامل بجديه مع تلك الحقائق مفضلين دوام الحصول على الفائدة والمتعة التي تقدمها لنا الشبكة المعلوماتيه .
لقد بات وجود اجهزة اللاسلكي، التي تبقينا على اتصال بشبكة الانترنت ،خطرا كبيرا يحدق فينا بسبب الترددات الصادرة عنها والتي تؤثر على صحة الامهات الحوامل والاجنة على وجه الخصوص ، ومخاطر اخرى ترتبط بالادمان على استخدام تلك الاجهزة مما دفع الشركات في الشرق والغرب الى محاولة ايجاد تقنيات جديده للحد من تلك المخاطر بعد ان ادركوا ضررها البالغ على صحة البشر .
يحدث هذا، بينما في بلادنا ما نزال نصر على التعاطي مع ثقافة ( توكلي على الله) دون اعتبار بان الاخذ بالاسباب ضرورة واجبه , ونتيجة لطغيان هذه الثقافة فان مرض السرطان بات ثاني مسبب رئيسي للوفيات في الاردن ( على سبيل المثال) بعد امراض القلب.
هل من المعقول ان تحمل الام جنينها في احشائها تسعة اشهر وتعاني ما تعاني في الحمل والولاده وما يتبعهما ، ثم تدع المخاطر بانواعها تزحف الى جسد طفلها الذي هو عماد المستقبل دون ان يكون لها دور في درء الخطر عنه .
مخاطر الاجهزة الالكترونيه الاخرى عديده ، فهي تسبب تراجعا في الذاكرة والتركيز ، وضعفا في الابصار ( بحسب الخبراء) ، وتؤثر في قوة السمع وكلنا نرى من حولنا المراهقين يقضون الساعات الطويله واضعين سماعات الاذن يستمعون من خلالها للموسيقى الصاخبه .
ولان الام هي التي تقضي وقتا اطول مع ابناءها وهي التي تتعامل مع احتياجاتهم اكثر من أي شخص اخر في العائله ، فاسمحي لي ايتها الام الفاضله ان اشاركك بعضا من تجاربي في تربية الابناء لعلها تساهم ولو بجزء يسير في ترسيخ مفاهيم اكثر نضجا في تربية الابناء:
- التحدث الى الابناء منذ طفولتهم المبكره عن مخاطر الاغذيه المصنعه مثل الشيبس والحلويات والسكاكر ، يساهم في تشرب الطفل لهذه المفاهيم ، مما يسهل عليه في سنوات لاحقه ضبط الكميات التي يتناولها من تلك المنتجات .
- عدم الرضوخ للابتزاز العاطفي الذي يمارسه الاطفال في اماكن التسوق ، كان اطفالي يحاولون احراجي في الاسواق فيندسون بين اروقة الرفوف ويعودون باكياس الشيبس وسواها طالبين شراءها ومحاولين استغلال الوضع بنظرات استعطاف ، لكنني كنت امرهم باعادة الاغراض الى مكانها على الرفوف ، مع عبارة ( لن ادفع نقودا مقابل شراء المرض) وكان ترديد تلك العبارة يؤثر فيهم ، وكنت احيانا الجأ الى اتفاقية معهم مفادها (اشتري عبوة الشيبس وتناول منه قطعتين او ثلاثه والقي بالبقية في سلة المهملات ) ، والان لم تعد منتجات كهذه ضمن اولويات ابنائي ، فابنتي الكبرى مثلا الزمت نفسها بشراء عبوة شيبس واحده كل شهر . هذه ليست دعوة لحرمانهم من تناول ما يحبون ، بل ضرورة البحث وانتقاء منتجات ذات جودة ، تطابق المواصفات الصحيه ، ولو كان سعرها اكثر من مثيلاتها ذات الاصباغ والمواد الحافظه المحظورة في البلدان المتقدمه لكنها للاسف تغزو اسواقنا بلا رقيب.
- تقديم الشرح للابناء عن مخاطر الاجهزة الالكترونيه وضرورة التعاطي معها باعتدال ، وتحديد اوقات معينه لتشغيل اجهزة الواي فاي ، مع التذكير بان الابناء (ذكورا واناثا) في مرحلة المراهقه قد يتصرفون غالبا بخشونه وتصبح ردات فعلهم عنيفه وذلك نتيجة لنمو شخصيتهم المستقله ، وقد يرفض المراهق الكف عن استخدام الهاتف النقال او الكمبيوتر اللوحي ، وشخصيا لا زلت اعيش هذه المرحله ، فاذا رأيت ان الكلام اللين المقنع واظهار الحرص والاهتمام لن يجديا نفعا ، اقوم ببساطه بسحب الاجهزة منهم بالقوة ، وحرمانهم منها لعدة ايام وربما لاسبوع ، الى ان يقتنعوا بان الكلمة العليا لي وليست لهم .
- واخيرا لا تلقي بالا لعبارات استفزازيه يطلقها البعض من نوع ( شو ما حدا خلف اولاد غيرك ) ومن يلقي في وجهك عبارة ( توكلي على الله) دون تقديم حلول منطقيه ، ذكريه باننا امة قال نبيها الكريم ( اعقلها وتوكل ) .