كثير من سعينا في الحياة يتم من دون خطة أو رؤية واضحتين لما نريد تحقيقه، نحن لا نتوقف ملياً أمام مراحل العمر، ولا نفكر كيف سيكون حالنا بعد عام أوعامين أو حتى ثلاثة أعوام، نفضل الاعتيادية اليومية من دون أن نشغل تفكيرنا بالغد، وإذا قررنا الانشغال بالغد فإننا نجلب الهم لأنفسنا، لأننا ننظر إلى هذا الغد من دون رؤية وعمق، بل ومن دون حتى خطة وتفاؤل.
بطبيعة الحال؛ هذه الكلمات وإن حملت التعميم فإنها تتناول البعض وتمس وتتقاطع مع هذا البعض، قبل عدة أيام التقيت صديقة قديمة، مضت تقريباً نحو عشرة أعوام على آخر مرة جلست معها فيها، في لقائنا الذي جاء مصادفة ومن دون ترتيب مسبق، كانت في لهفة لسماع آخر أخباري، وكنت أيضاً مهتمة بسماع أخبارها، خصوصاً أنها قبل نحو عقد من الزمن كانت تعاني تبعات انفصالها، فضلاً عن تعثرها الدراسي، ليس هذا وحسب بل إخفاقها في عمل تجاري أسسته مع صديقتها، وترتب على هذا الخسارة المادية أيضاً خسارة صديقتها.
وهي أمامي كانت تلوح في ذهني كل تلك الإخفاقات التي تعرضت لها في تلك السنوات، لذا كنت حذرة في تساؤلاتي عن أخبارها حتى لا أجرح مشاعرها أو أذكِّرها بأي من تلك الهزائم، لكن المفاجأة أن حديثها انهمر كالمطر الجميل، وكانت أخبارها أكثر سعادة، فهي تقوم اليوم بالتحضير لنيل شهادة الدكتوراة، فضلاً عن إدارتها لمركز في التنمية البشرية، ليس هذا وحسب وإنما تمتلك محلاً لبيع الملابس النسائية في موقع مرموق وتخطط لافتتاح فرع ثانٍ، إذاً صديقتي نهضت من كبواتها ومن إخفاقاتها، وبعد أن طال بنا الحديث سألتها عن سر هذه الانتصارات، فقالت: الأمل والتخطيط والتفاؤل ثم المثابرة دون توقف.
استحضرت هذه القصة، لأن هذه الصديقة لم تكن لتنجح لو لم تكن لديها رؤية وهدف واضحان سعت لهما وخططت لتحقيقهما، نحن نحتاج إلى خطة في حياتنا، نحتاج إلى وضع أهدافنا على الطاولة وأن نفكر ملياً كيف نحققها، يقول روبرت كيوساكي، رجل الأعمال والخبير في التنمية البشرية: كل ما عليك هو تحديد ماذا تريد؟ ثم السعي بعد ذلك لنيله.
ومرة أخرى لو لم تكن تلك الصديقة قد وضعت رؤية واضحة لما تريد تنفيذه في حياتها ما تمكنت من النهوض مرة أخرى وتحقيق كل هذا النجاح المدوي الجميل، ففائدة التخطيط أنه يساعدنا على تجاوز العقبات، حتى وإن وقعنا في أي مطب، ذلك أننا سنحول أي إخفاقات لتكون خبرات نستفيد منها ونسخِّرها لتجاوز أي مشكلة أخرى نقع فيها، وهذا بالضبط الذي قامت به هذه الصديقة، فلم تنكسر أو تهن أمام خسارتها المادية الأولى، فهي نفسها قالت إنها استفادت من تلك الخسارة لتتعلم من أخطائها، كما أنها لم تتوقف أمام إخفاقها الدراسي والدليل أنها بعد شهور قليلة ستضع لقب دكتورة أمام اسمها.
لقد غذت نفسها بالتفاؤل وتعلمت الكثير خلال عشرة أعوام، لأنها كانت تعلم ما الذي تريده بالتحديد، فتوجهت نحوه بإصرار وتحدِّ وبقوة، لذا ترأست مركزاً متخصصاً في التنمية البشرية.
ومرة أخرى لا تتخلوا عن الأمل والتخطيط والتفاؤل والمثابرة.