الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

نساء من زمن فات وأخريات من زمن قادم

  • 1/2
  • 2/2

امينة النقاش - مصر - " وكالة أخبار المرأة "

مساء أمس الأول الخميس، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات أن عدد النساء اللواتى رشحن أنفسهن فى الانتخابات البرلمانية الوشيكة، قد وصل إلى 300 امرأة، وهو أكبر عدد من النساء  يخضن المعركة الانتخابية،منذ ممارسة المرأة لحقها فى الانتخاب والترشح فى انتخابات عام 1957، وهو أمر بدا لى طبيعيا بعد الدور البارز الذى لعبته المرأة فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو، والدور الذى لعبته المجلات النسائية المصرية فى  الارتقاء بالوعى العام لدى النساء فى بلادى. فقد سمعت هذا الخبر وأنا أقرأ وأتصفح باستمتاع ودهش وإعجاب العدد التذكارى الذى أصدرته مجلة حواء، بمناسبة بلوغها سن الستين. وبرغم أنها بحساب السنين قد غدت   مجلة «حيزبون» فلاتزال  تبدو شابة  شقية تسعى للتميز والتجدد وجذب انتباه الصغير والكبير والرجل والمرأة، والاشتباك مع قضايا العصر، ومخاطبة كل الأذواق والأعمار، والاهتمامات، والأفكار، عبر ستة عقود من الصدور المنتظم كمجلة أسبوعية  منذ عام 1955،كما أراد لها ناشراها إميل وشكرى زيدان، بعد أن كانا قد أصدراها كمجلة شهرية باسم «حواء الجديدة «فى العام  1950.  وزع عددها الأول سبعة آلاف نسخة، وحين حازت قبول القراء وارتفع توزيعها إلى مائة ألف نسخة، عدل أصحابها  وناشروها فى دورية صدورها من شهرى إلى أسبوعى باسم  «حواء»، وسلما رئاسة تحريرها إلى امرأة هى الكاتبة الصحفية « أمينة السعيد» فاتخذت لها شعارا محببا تنفتح له الأنفس والقلوب هو «مجلة المرأة الأنيقة والبيت السعيد». رسمت أمينة السعيد للمجلة  شخصيتها المميزة التى تخاطب جمهور الطبقة المتوسطة الصاعدة فى أنحاء الوطن العربى، فى أعقاب ثورة يوليو 1952 التى فتحت الباب على مصراعيه لسياسات التحرر والتقدم الاجتماعى وفى القلب منها قضايا  تعليم المرأة وعملها ومشاركتها السياسية فى الشأن العام، ومنحها الحق فى التصويت والترشح فى الانتخابات البرلمانية.
أضفت رئيسة التحرير من ثقافتها وخبراتها طابعا مميزا لأبواب المجلة التى تنوعت بين كل فنون العمل الصحفى من المقال إلى التحقيق ومن الخبر إلى الحوارات الصحفية ومن استخدام الصورة،إلى الرسم الكاريكاتورى، وأدخلت فيها للمرة الأولى فى الصحافة المصرية بابا لمناقشة القضايا الاجتماعية التى تمس الأسرة المصرية والعربية تحت عنوان بسيط وجذاب هو «اسألونى» ردا على رسائل وأسئلة القراء، وتقديما لاجتهادات فى حل المشاكل التى تنطوى عليها تلك الرسائل، وهى اجتهادات لم تخطئها الرسالة الإعلامية للمجلة التى تستحضر تاريخ الرائدات النسويات لتدعم قضايا الحاضر والمستقبل، وتقدم خلطة متوازنة من الأدب وفنون الزينة لترسخ ثقافة الاهتمام بالجمال لدى الفقراء ومحدودى الدخل، فضلا عن مواد التسلية والترفيه والإرشاد والثقافة العامة عبر الاهتمام  بالمواضيع العلمية والفنية والتاريخية، ونقل تجارب الشعوب الأخرى فى التغلب على المشاكل الاجتماعية التى تعترضها.
لم تصطنع المجلة التى راجت فى أنحاء الوطن العربى،صراعا بين الرجل والمرأة، ولم تكن تسعى لاستعداء الرجل، كما يحلو لبعض الحركات النسوية المتشددة، بل كرست فى رسالتها الإعلامية مبدأ أن الرجل الذى يدافع عن حقوق المرأة، أفضل من المرأة غير الواعية بحقوقها، وتصدت بلطف ودون خطابية للصورة النمطية السائدة التى تحصر المرأة فى أدوارها  التقليدية داخل  جدران المنزل، وتروج إلى أنها مجرد كائن استهلاكى، وعالجت  بأسلوب علمى قضايا المرأة النفسية والاجتماعية، والمشاكل التى تعترض طريقها للموازنة بين  أدوارها المتعددة فى العمل وداخل الأسرة، وسلطت الضوء على مخاطر الأفكار المحافظة والفتاوى الدينية المغلوطة التى تساهم فى ازدياد ظواهر العنف ضد النساء فى قضايا مثل  الشرف والختان  والطلاق  والتحرش والإيذاء البدنى  والنفسى فى العلاقات الزوجية.
مدرسة فى الصحافة النسائية العصرية  ذات الرسالة الاجتماعية التى تثقف وتعلم وتسلى و تخاطب العقول  والأفئدة، وتهذب الغرائز وترتقى بها، وتحتفى بالبساطة والجمال الذى بين أيدينا، وتربط المرأة بقضايا بلدها،قدمتها أمينة السعيد على امتداد نحو 26 عاما من رئاستها  لتحرير مجلة «حواء»،وواصلت نفس الرسالة بعدها سبع صحفيات وكاتبات من جيلين تاليين  فى رئاسة تحريرها: من سعاد حلمى إلى إيفون رياض، ومن إقبال بركة إلى إيمان حمزة، ومن إيمان الحفناوى إلى أمل مبروك،حتى رئيسة تحريرها الحالية الزميلة ماجدة محمود التى أشرفت  مع كوكبة من الصحفيين والفنيين،على إصدار هذا العدد التذكارى  الذى حفل بألبوم نادر من الصور الجميلة الساحرة  للأسرة الملكية المصرية، وصور زفاف قادة ثورة يوليو، والصور العائلية التى تجمعهم مع أبنائهم وزوجاتهم، ونماذج  من نجمات ونجوم وفنون  هذا العصر،كما انطوى على نشر نماذج من المعارك التى خاضتها المجلة خلال تلك العقود للنهوض بالمرأة العربية، ومن الموضوعات المتنوعة التى  بينت نضال المصريات  الشاق والجسور  لنيل حقوقهن منذ ثورة 1919 وحتى ثورة 30 يونيو، وكيف ساهم الفكر الدينى المستنير فى دعم هذا النضال، وكيف عرقله الفكر الظلامى المتاجر بالدين الذى اتخذ من المرأة هدفا لعدوانه وتسلطه وفرض وصايته، حين منح لنفسه  الحق فى احتكار  التحدث باسم الإسلام!
صورتان توقفت أمامهما طويلا لما تحملانه من رسائل ودلالات، الأولى صورة الأميرة فاطمة ابنة الخديو إسماعيل التى تبرعت بثروتها ومجوهراتها وأرض من ممتلكاتها من أجل إنشاء المبانى التى أقيمت عليها  جامعة فؤاد الأول، كأول جامعة أهلية مصرية، والتى  تعدل اسمها بعد ثورة 23 يوليو إلى جامعة القاهرة. بدت  لى الأميرة فى اللوحة فاتنة وحزينة، يعلو وجهها  ذات القسمات الدقيقة نصف ابتسامة تشبه تلك الابتسامة الغامضة للوحة الموناليزا الشهيرة، شعرت بالامتنان لها ولعصرها الذى كان ما ينفع البلاد والعباد هما من هموم اثريائها ونخبتها الحاكمة.
الصورة الثانية تجمع الرئيس جمال عبد الناصر مع نخبة من نساء وفتيات من خمسينيات القرن الماضى  بينهن أمينة السعيد،وقد بدون فى حالة من المرح  والسعادة والرضا، وهن يحطن بزعيم الأمة، ويرتدين ملابس تجمع بين البساطة والأناقة والتحرر والحشمة والوقار، وبعد أسابيع قليلة، تذهب حفيدات هؤلاء النسوة، واللاتى يشكلن نحو 49% من بين 54 مليون ناخب، إلى صناديق الاقتراع، لكى يصوغن بوعيهن الجديد مستقبل الوطن باختيار أعضاء مجلس نواب ثورة الثلاثين من يونيو.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى