خلال مسيرة الحياة قد يتعثر البعض ويرتكب فعلاً مخالفاً للأنظمة والقوانين، ويترتب على هذا أن يقضي عقوبة تأديبية في السجن لبعض الوقت حسب الجرم الذي أحدثه. فيما بعد يخرج وقد أكمل عقوبته، لكن المعضلة التي تحدث أن البعض يتعرضون لعقوبة أخرى من المجتمع نفسه، والبعض من هؤلاء قد تنهار حياتهم الاجتماعية تماماً، بداية من الأسرة والزوجة، مروراً بالأقارب والمعارف، والسبب أنه دخل السجن وأنه مجرم.
وأعتقد أن هذه مشكلة كبيرة، حيث نجد أن العقوبة مضاعفة ولا تتماشى مع الجرم الذي تم ارتكابه، خاصة إذا علمنا أن هناك البعض-وهم كثر- يدخلون السجون ليس بسبب فعل إجرامي متأصل فيهم؛ فسيرتهم حسنة، وإنما بسبب خطأ نظامي أو مخالفة لقانون. وفي هذا السياق لا أبرر تجاوز أنظمة المجتمع وقوانينه الحاكمة والمنظمة لمسيرة وشؤون الناس، إنما أتحدث عن فئات تكاد حياتهم تشل تماماً بسبب دخول السجن لبضعة أشهر أو حتى لعام أو عامين.
هؤلاء يخرجون فيواجهون مجتمعاً قاسياً في نظرته وطريقة التعامل معهم، هذه الفئات دخلت السجن واحتكت بكبار المجرمين وكأنهم قد دخلوا لأخذ دورة في الإجرام، ثم يخرجون ويجدون أنفسهم في مواجهة مع أقرب الناس لهم، فلا يكون لديهم مجتمع أو أصدقاء إلا ممن رافقوهم خلال فترة بقائهم في السجن، لذا نشاهد البعض يعود للسجن بجريمة أخرى مختلفة تماماً عن الأولى.
دارسو الخدمة الاجتماعية والعلوم الاجتماعية والعلوم النفسية، لهم في هذا السياق الكثير من الدراسات، المهمة التي تقدم حلولاُ بديلة وأفكاراً عديدة في التعامل مع البعض من التجاوزات النظامية والتي تكون عقوبتها قليلة المدة، أيضاً هناك نتائج لدراسات من مختلف دول العالم تشير وبشكل واضح ومتواتر إلى خطورة الزج بإنسان في السجن من مخالفته الأولى، التي لا تتطلب الحبس المشدد، ليقضي فترة العقوبة مع أرباب الإجرام والجريمة.
أدرك أننا في بلادنا، حفظها الله، لدينا الكثير من العقوبات البديلة، وأيضاً توجد بدائل أخرى، كما أن بيئة السجون لا تقارن بأي حال من الأحوال بما هو في العديد من دول العالم، لكنني أعود للتنويه بأهمية حماية السجناء أو ما يسمى بتجهيزهم نفسياً قبل خروجهم لمواجهة الناس وكيفية التعامل معهم، حيث تنبع لدى البعض مخاوف من السجين السابق، وكأنه مصاب بمرض معدٍ جسيم يتطلب الابتعاد عنه، وهذه الممارسة مؤلمة، وتسبب ردة فعل انطوائية للسجين، قد تعقبها حالة من التمرد على المجتمع والجنوح.