أطلقت نساء تونسيات "ائتلافا" سياسيا ومدنيا غضبا على تهميشهن من مواقع القرار السياسي والإداري يضم عددا من الجمعيات والمنظمات وناشطات حقوقيات تحت شعار "نساء بلادي نساء ونصف" يهدف إلى الدفاع عن حقوق المرأة السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية كما يهدف "الائتلاف" إلى "ضمان تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء في تحمل المسؤوليات في جميع المجالات وفق "مبدأ المواطنة" ووضع حد لسياسة تهميش المرأة في إدارة الشأن العام وخاصة في ما يتعلق بـ"مواقع صنع القرار الإداري والسياسي" فيما شددت ناشطات حقوقيات على أن "وضع حد لتهميش المرأة مرتبط بالإرادة السياسية والقدرة على تغيير العقلية" التي تستنقص من دور المرأة في الحياة العامة أكثر مما هو مرتبط بإصدار قوانين دون تطبيقها.
وجاءت مبادرة إطلاق "الائتلاف انطلاقا من مدينة سوسة الساحلية على خلفية موجة من الغضب اجتاحت نساء تونس والجمعيات النسوية والناشطات الحقوقيات على خلفية تعيينات أجرتها حكومة الحبيب الصيد في عدد من مواقع صنع القرار من أهمها تعيين المحافظين في الجهات والتي استحوذ عليها الرجال وخلت من أي امرأة الأمر الذي رأت في نساء تونس "إقصاء ممنهجا" للمرأة من مواقع صنع القرار الإداري والسياسي وتجريدا لها من حقوقها كمواطنة ومؤشرا على غياب إرادة سياسية تؤمن بالمساواة بين الرجال والنساء وخرقا للدستور الجديد الذي استصدره المجلس التأسيسي عام 2014 .
وتقول سعيدة راشد رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات إن "مبادرة إطلاق "الائتلاف" التي انطلقت من مدينة سوسة "سيتم التفاعل معها في كل جهات البلاد خاصة في ظل غياب الإرادة السياسية الفعلية " مشيرة إلى المرأة تتعرض إلى عملية توظيف حزبي وسياسي خلال الانتخابات وعند الحاجة دون إعطائها قيمتها ومكانتها في مواقع القرار الإداري والسياسي".
ونظم الائتلاف الخميس الماضي وقفة احتجاجية بالقصبة بالقرب من مقر رئاسة الحكومة ضد إقصاء المرأة من مواقع القرار، ويعتزم "الائتلاف" التوجه نحو البرلمان في خطوة تهدف إلى توعية النواب بمخاطر تهميش المرأة من مواقع صنع القرار الإداري والسياسي على التجربة الديمقراطية الناشئة التي لا تعني شيئا في غياب إشراك المرأة في إدارة الشأن العام.
وتشدد فتحية حيزم ممثلة فرع سوسة للنساء الديمقراطيات على أن مبادرة إطلاق "الائتلاف" تم إطلاقها في إطار تحالف واسع يضم مختلف مكونات المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات وأحزاب منها الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وعدد من الأحزاب السياسية الديمقراطية ولجنة المرأة لحزب نداء تونس.
وترجع حيزم إطلاق "الائتلاف" إلى وجود إخلالات وتجاوزات عديدة تتعلق بتطبيق وتفعيل الفصل 46 من الدستور الجديد بشأن مبدأ "التناصف" الذي يعد مكسبا وطنيا هاما تحقق للمرأة بعد نضالات مريرة قادتها نساء تونس من أجل تموقعها في الخارطة الإدارية والسياسية ومشاركتها في إدارة الشأن العام باعتبارها "مواطنة" تمتلك من الكفاءة ما يؤهلها لتقلد مواقع صنع القرار.
وينص الفصل 46 من الدستور على أن الدولة "تضمن تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات" وعلى "تحقيق التناصف بين المرأة والرجل في المجالس المنتخبة" فيما ينص الفصل 21 على أن "المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات".
وعلى الرغم من إقرار القوى السياسية والمدنية بأن انتفاضة يناير/كانون الثاني 2011 فتحت أمام التونسيين هامشا واسعا من الحرية فإن المرأة التونسية لم تستفد كثيرا وبالشكل المطلوب من دلك الهامش بما يعكس حقيقة حضورها القوي في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية بل تراجع عما كان عليه قبل الانتفاضة حيث باتت حقوقها المكتسبة وحريتها مهدد في ظل تنامي سطوة الجماعات المتشددة التي تستنقص من مكانة المرأة.
وتؤكد فتحية حيزم أن"الائتلاف" سيقود تحركات خلال الأيام القادمة بالتحالف عدد من جمعيات ومنظمات وأحزاب سياسية ديمقراطية تدافع عن حق المرأة في توليها لمواقع القرار الإداري والسياسي خاصة وأن البلاد على مشارف انتخابات بلدية" ملاحظة أنه " إدا لم نقم بالتحرك الآن فقد نخسر الكثير من المكتسبات"مضيفة تقول " علينا التحسيس بهذه القضية وضمان حقوق المرأة عن طريق "الكوتا" على الأقل بنسبة 30 بالمائة.
"تعيينات محبطة"
لم تتردد حيزم في التشديد على أن التعيينات التي أجرتها حكومة الحبيب الصيد خلال الأسابيع الماضية "كانت محبطة فيما يتعلق بمكانة المرأة التونسية في المجتمع ومواقع القرار" ملاحظة أنه "لا تشارك سوى امرأتين في تركيبة الحكومة هما سلمى الرقيق وزيرة السياحة وسميرة مرعي وزيرة المرأة إضافة إلى أنه لم يتم تعيين امرأة واحدة ضمن قائمة المحافظين" لافتة إلى أنه تم تهميش المرأة من ترؤس المؤسسات الإدارية الجهوية في محافظات البلاد التي تعد 24 محافظة حيث لا توجد على رأس تلك المؤسسات الإدارية سوى أربعة نساء واحدة في قطاع الصحة وثانية في قطاع الثقافة واثنتين في قطاع التعليم.
وتطالب نساء تونس بالتطابق التام بين "التشريع والقوانين" وبين ما هو "تطبيقي" على أرض الواقع" وهن يشددن على أن عدم ردم "الهوة" بين نصوص الدستور التي تكفل مبدأ التناصف بين الرجال والنساء وبين الحضور القوي للمرأة في مختلف القطاعات سيحرم البلاد من مشاركة الآلاف من الكفاءات النسائية في مواقع صنع القرار الإداري والسياسي من أجل إنقاذ تونس من الأزمة التي تعاني منها مند أربع سنوات.
وتتذمر ناشطات حقوقيات من وجود مفارقة مجحفة في حق المرأة حيث لا يعكس وجودها الضئيل في مراكز صنع القرار الإداري والسياسي حضورها القوي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وتظهر المؤشرات أن المرأة حاضرة بقوة في مختلف المجالات حيث تمثل 30 بالمائة من السكان النشيطين و27 بالمائة من مجموع نواب البرلمان و 60 بالمائة من الصحفيين والإعلاميين و 42 بالمائة من منظمات المجتمع المدني و23 بالمائة من الوظائف السامية بالإدارة و 70 بالمائة من الصيادلة و30 بالمائة من القضاة و41 بالمائة من المحامين و 40 بالمائة من أساتذة الجامعات و 38 في المائة من الأطباء إضافة إلى أن المرأة التونسية اقتحمت عالم الأعمال حيث تدير 1500 امرأة مؤسسات اقتصادية واستثمارية.
وفي مسعى إلى وضع حد للتمييز بين الرجال والنساء وترويج صورة تستنقص من مكانتها ودورها في المجتمع وفي الشأن العام تقود التونسيات مند انتفاضة يناير/كانون الثاني 2011 جهودا سياسية واجتماعية ومدنية تهدف إلى تكريس المساواة بينها وبين الرجل في مؤسسات الدولة والمجتمع بما في دلك تكافؤ الفرص بشأن الحضور في مواقع صنع القرار الإداري والسياسي.
وتقول يسرى قعلول عضو فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسوسة ومنسقة المبادرة "الائتلاف" أن "الدولة قد خرقت الدستور وخاصة الفصل 46 منه في ثلاثة مواعيد سياسية هامة أولها عدم تنصيص القوانين صراحة على مبدأ التناصف الأفقي في القائمات الانتخابية التي جرت في خريف 2014 وثانيها عدم تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء في تركيبة حكومة الحبيب الصيد الائتلافية بين علمانيين وإسلاميين أما ثالث الخروقات فإنه يمثل في التعيينات التي أجرتها الحكومة خلال الأسابيع الماضية وخاصة قائمة المحافظين التي خلت من أي امرأة.
وفي 13 اب/اغسطس 2015 قادت التونسيات من مختلف الفئات الاجتماعية احتجاجات تزامنا مع احتفال تونس بمرور 59 عاما على إصدار الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في 13 اغسطس/آب 1956 "قانون الأحوال الشخصية" الذي أعطى المرأة حقوقا فريدة في العالم العربي وطالبت خلالها بـ"المساواة التامة" مع الرجل التي تكفلها قوانين البلاد باعتبارها مواطنة من حقها المشاركة في صنع القرار الإداري والسياسي.
وتقود 12 منظمة ناشطة في المجتمع المدني منها الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات جهودا لتفعيل فصول الدستور التي تنص على مبدأ التناصف والمساواة بين الجنسين وتجريم العنف والتمييز ضد النساء".
وتشدد تلك المنظمات التي تحظى بنفوذ قوي في المجتمع وبمصداقية لدى قطاعات واسعة من اتجاهات الرأي العام على أنها ترفض " التمييز الصارخ في تولي المسؤوليات الدبلوماسية حكومية كانت أو إدارية، رغم كل الكفاءات والنجاحات التي أبدعت فيها النساء التونسيات في عديد المجالات"، ولا تتردد تلك المنظمات في اتهام السلطات بأنها تفتقد لـ "إرادة سياسية حقيقية للنهوض بأوضاع النساء ووضع حد للتمييز ضدهن".
تهميش "ممنهج"
تتعرض المرأة التونسية مند أربع سنوات ، كما يذهب إلى ذلك كثير من المحللين السياسيين والأخصائيين الاجتماعيين إلى عملية تهميش ممنهجة وغير مبررة لا سياسيا ولا اجتماعيا تهدف إلى استبعادها من مواقع صنع القرار الإداري والسياسي" و"لا يتم التفكير فيها سوى في المواعيد السياسية لكسب صوتها خلال الانتخابات".
وتقول سعيدة راشد إن "التناصف حق دستوري ولا بد من تطبيقه في مؤسسات الدولة وفي الوزارات" ملاحظة أن "هناك فكر ذكوري وعقليات ذكورية تعمل على إقصاء المرأة من إدارة الشأن العام" ملاحظة أن المرأة موجودة في كل الأحزاب السياسية لكنها غير موجودة في مواقع صنع القرار حتى داخل الأحزاب العلمانية التي كثيرا ما قدمت نفسها على أنها مدافع شرس على الحقوق السياسية والمدنية الفردية منها والعامة للمرأة وعلى مكاسبها التي تحققت في ظل دولة الاستقلال مند عام 1956 وفي مقدمتها مكسب الحرية الذي انتزعته نساء تونس بعد نضالات مريرة".
ويحذر الأخصائيون الاجتماعيون من "التداعيات السلبية الناجمة عن إقصاء المرأة من مواقع القرار الداري والسياسي" وهم يشددون على أن تلك التداعيات قد تقود إلى "نسف مبدأ المواطنة" الذي يتيح للتونسيات وللتونسيين تكافؤ الفرص في التموقع ضمن مواقع القرار الإداري والسياسي بعيدا عن أي شكل من أشكال التمييز أو الاستنقاص من كفاءة المرأة ومكانتها ودورها.
ويضيف الأخصائيون الاجتماعيون أنه رغم "دسترة حقوق المرأة والتنصيص على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص" فإن "صورة المرأة في وسائل الإعلام هي صورة نمطية بل دونية لا تعكس جهودها في المجتمع ملاحظة أن"واقع الحريات في المجتمع تراجع بشكل مفزع" ملاحظين "أن وضع المرأة يمثل اليوم قاع هرم الهشاشة في بلد كثيرا ما راهن على حرية المرأة كعنوان لمجتمع حديث تتمتع فيه المرأة بحقوق المواطنة في تجربة ينظر إليها على أنها متفردة بالمقارنة مع أوضاع المرأة في المجتمعات العربية.
وبقدر ما فتحت انتفاضة يناير/كانون الثاني 2011 "آفاقا" أمام التونسيين لبناء دولة مواطنة يتمتع فيها التونسيات والتونسيين بكامل حقوقهم بعيدا عن أي شكل من التمييز وبقطع النظر عن أوضاعهم الاجتماعية وانتماءاتهم السياسية فقد فتحت أمام المرأة "حالة من التوجس والخوف" جراء " الترويج لصورة سلبية بعيدة كل البعد عن حضورها القوي في المجتمع وفي مؤسسات الدولة" وأيضا جراء "تراجع مكاسبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية حتى أن عديد المنظمات النسوية أطلقت صيحات فزع لتحصين مكاسب المرأة من "انتكاسة قادمة" في ظل تنامي خطر الجماعات المتشددة".
وخلال السنوات الأربع الماضية قادت التونسيات معركة شرسة ضد الجماعات المتشددة التي تستنقص من مكانتها ومن دورها السياسي والاجتماعي ودافعت عن مكاسب دولة الاستقلال وفي مقدمتها مدنية الدولة وحرية المرأة ونجحت نساء تونس خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في خريف 2014 في قطع الطريق أمام حكم الإسلاميين حيث شكلت قوة انتخابية بلغت نسبتها 46 بالمائة من الناخبين وحسمت فوز قائد السبسي برئاسة الجمهورية من خلال منحه أكثر من مليون صوت نسائي.
وتشدد منظمات المجتمع المدني وكذلك الأحزاب الديمقراطية التي تؤمن بكفاءة المرأة التونسية على أنه "لا معنى للتجربة الديمقراطية" التي تنتهجها تونس مند نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت في خريف 2014 ما لم يفسح المجال أمام المرأة لممارسة حقوقها السياسية والمدنية وإشراكها في إدارة الشأن العام وما لم تحظ الآلاف من الكفاءات النسائية المتخصصة في مختلف القطاعات بتكافؤ الفرص بينها وبين الرجال.
وتساور المرأة التونسية مخاوف بشأن تراجع مكاسبها التي تحققت في ظل دولة الاستقلال التي قادت مشروعا وطنيا إصلاحيا وحداثيا من أبرز ملامحه تكريس حرية المرأة باعتبارها مواطنة من حقها أن تشارك في إدارة الشأن العام سواء في مؤسسات الدولة أو في مؤسسات المجتمع بعسدا عن أية رؤية تستنقص من مكانتها الاجتماعية والسياسية ومن دورها في الفاعل في نحت ملامح دولة مدنية تضمن الحريات السياسية والمدنية الفردية منها والعامة للتونسيات والتونسيين على حد سواء وترعى مبدأ تكافؤ الفرص.
ويحذر المراقبون للشأن التونسي من أن أي تراجع بشأن المكاسب التي حققتها المرأة وفي مقدمتها الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص لا يهدد المرأة فقط وإنما يهدد بالأساس نمط المجتمع المنفتح الذي تشكل ضمن مشروع وطني إصلاحي حداثي قادته مند الستينات من القرن الماضي دولة الاستقلال".
ويشدد المراقبون على أن "حرية المرأة وتكافؤ الفرص بينها ربين الرجل تعد محرارا لقياس مدى مشاركتها في الشأن العام وفي نحت ملامح دولة مواطنة مدنية ومجتمع يؤمن بكفاءة المرأة في تولي مراكز القرار السياسي والإداري بما يعزز حظوظ إنقاذ البلاد من الأزمة التي تعصف بها وبما يعزز أيضا حظوظ إنجاح التجربة الديمقراطية الناشئة التي تنتجها تونس مند الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت في خريف 2014 وفاز بها حزب نداء تونس العلماني بالأغلبية البرلمانية ومؤسسه الباجي قائد السبسي برئاسة الجمهورية.
ويضيف المراقبون للشأن التونسي أن "عنوان نجاح المشروع الوطني الحداثي الذي قاده بشجاعة وجرأة سياسية الزعيم التاريخي للبلاد الحبيب بورقيبة مند العام 1956 تاريخ استقلال تونس عن الاستعمار هو "حرية المرأة" باعتبارها مواطنة لا مفاضلة بينها وبين الرجل لا في الحقوق ولا في الواجبات" لافتين إلى أن أي "انتكاسة" بشأن حرية المرأة ستقود بالضرورة إلى "انتكاسة" عامة قد تهدد مدنية الدولة ونمط المجتمع المتعدد فكريا وسياسيا.