الارشيف / عالم المرأة / أخبار المرأة

تجميش أم تحرّش 2

  • 1/2
  • 2/2

الدكتور محمد فتحي راشد الحريري - الإمارات العربية المتحدة- خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

التحرش الجنسي موضوع أو مصطلح معاصر يعني التعرض للنساء بالأذى السلوكي أو الكلامي أو الإشاري، وهو ليس بالسهل، إذا ما أراد الباحث التحدث عنه بإسهاب، لأنه يختلف وفق الجغرافية والوازع الديني والاجتماعي وقوة السلطة الحاكمة في المجتمع، كما أنه مرتبط بالمستوى المهني والاجتماعي للطرفين، فيتحمل الضعيفُ الضررَ، ويحاولُ التسترعلي ما أصابه، حتى لا تتفاقم المشكلة وتصل الى العائلة ، ويتناقلها أفراد المجتمع  . والواقع ان التحرش مصطلح ليس سليما لغوي، فهو بلغة الجذور يشير  الى المبارزة واثارة العداء بين الدِّيَـكــة، وهو تهارش معروف في افغانستان وكثير من البلدان ، وقد حرَّمـه الاسلام تحريما قطعيا لأنه يتنافى مع  مبادئ الرفق بالحيوان، التي أكدهــا الاسلام  وحثَّ عليهــا ...
لذا  ومن الرؤية الجذورية كان لزاما علينا تحرير  المسألة للتفريق بين الجذرين ( ج م ش ) و ( ح ر ش ) فالاخير خاص بالديوك والاول ( ج م ش ) يطلق على محاولات استثارة الأنثى عموما كما يفعل سفهاء القوم من إطلاق عبارات الغزل الساقط ، والذي قد يصل الى الإيذاء الجسدي للفتاة ، ولا ذنب لها  الا  أنها ولسبب من حظها العاثــر مرَّتْ بجانب سفيهٍ ما  ومن أسمائه الجذورية أيضاً الخنع والدهفشة، ويُسمى في عامية بلاد الشام (التلطيش )، وهو  التجميش كما قلنا آنفاً. ودهفش المرأة إذا جمَّشها ( تحرّش بها بلغة اليوم ) !!! ومن شواهد الجذر ( ج م ش ) ما قاله الاديب اللغوي ابو منصور الثعالبي، صاحب فقه اللغة رحمه الله( ت 429 هـ ) :
النورُ يفتنُ في التجميشِ عُشَّاقَهْ***والريحُ تنثرُ بينَ الجو أوراقَهْ
وللرياضِ أزاهيرٌ مُشَوَّقــــــــــةٌ  تحكين لفظَ ابنِ مشكانٍ وأخلاقَهْ
وقال أبو نواس  الحسن بن هانئ في التجميش :
وخود أقبلت في القصر سكرى ... ولكن زيَّن السكرَ الوقارُ
وهز المشي أردافاً ثقالاً ... وغصنا فيه رمان صغار
وقد سقط الردا عن منكبيها ... من التجميش وانحلَّ الإزار
فقلت: الوعد سيدتي. فقالت: ... كلام الليل يمحوه النهارُ
وقال ابن المستوفي في شرح النظام لاشعار المتنبي: قال أبو العلاء: زعم قوم أن (التجميش) كلمة مولدة، وإنما يراد بها قرص غير مؤلم .
وقال الواحدي: ويروى (يجمشك الزمان وأنت حرٌّ). و(التجميش): ضد المغازلة. وهي الملاعبة بين الحبيبين. يقول: الذي أصابك تجميش من الزمان حبّاً لك، لأنك جماله (وأشرف أهله)، وإن تأذيت به فقد يكون من الأذى ما يكون مِقَة من المؤذي.
والذي قرأته (يجمشك الزمان هَوىً وحُبّاً). ويروى (يجمشك الزمان هوى وشوقاً  ).
وروى أبو البقاء: (يجشمك الزمان هوى) وقال:
يجمشك الزمان، أراد يجشمك من الجشم (ج ش م ) وهو التكليف بأمر مرهق : يكلفك، وهوىً وحبّاً: مفعول ثان.
وفسره أبو زكريا على معنى: يجمشك: يغازلك. ولقد خالف الصواب فالتجميش مضاد للغزل.
وقيل: هو الإصابة بألم يسير. فعلى هذا يكون (هَوىً وحُبّاً) تمييز. وعجز البيت يلائم هذا المعنى، لأن العضّ والقرص في الغالب يكون من المحب.
والذي وجدته في النسخ (يجمشك) وهو المعنى الأول.
قال المبارك بن أحمد: كان في نسختي المصححة (يجشمك) بتقديم الشين على الميم. وقد أصلحها بقوله: (يجمشك) بتقديم الميم على السين. وهو الذي عليه المعنى لا غير. وكذا قرأته على شيخنا أبي الحرم مكي رحمه الله.) وقيل أن التجميش بالأصل يفيد حلاقة شعر العانة ، أو نتفها ، ومن المشاكلة بين هذا الفعل وبين معاكسة النساء أطلقوه هنا ونســوه  هناك!
وقد عُرفَ التحرش الجنسـي في الموسوعة الحرة، على أنه مضايقة او فعل غير مرغوب فيه من جنس على الجنس الآخر، يظهر بهيئة أفعال من الانتهاكات التي قد تتطور الى مضايقات اكثر عنفا تتضمن الفاظاًً ،
جنسية غير لائقة او قل إباحية يستخدم فيها النشاط الجنسي ..وخادشه للحيــاء ، ولذا اعتُبِر التحرش عملاً مشيناً غير مباح في كل القوانين والأعراف الدولية .. لأنه يسبب الأذى الجنسي والنفسي للضحية .
كما عَرفَ المركز المصري لحقوق المرأة، على انه  كل سلوك غير لائق له طبيعة جنسية يضايق المرأة أو
" يعطيها إحساسا بعدم الأمان"، وانني أؤكد كشاهد عيان ان التحرش قد يكون من الأنثى وقد يصل الى حالة الأجرام  !
وخير شاهد على ذلك قصة سيدنا يوسف عليه السلام لما راودت زليخـة - أمرأه العزيز - فتاها عن نفسه، وأبى أن يستجيب لها كما جاء في سورة يوسف حكاية عن سيدنا يوسف عليه السلام :
((وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغَلقت الأبواب وقالت هيتَ لك قال معاذ الله انه ربي احسن مثواي أنه لا يفلح الظالمون  )) . (سـورة يوسف \ الآية  23).
وحدّثني زميل لي كان يدرس في موسكو موفداً، أنه في يوم توجه برفقة اثنين من الزملاء للتسكع في الساحة الحمراء التي تعتبر مركز مدينة موسكو في تلك الحقبة من الزمن. .
لم يكن لأي من الزملاء الثلاثة أية خبرة او دراية بطريقة التحرش، أو التجميش لتكوين صداقات مع   الجنس الآخر، فقد سمعوا كثيراً عن الحياة في موسكو، إلا أن الواقع غير ذلك.!
فما أن وقفوا مبهورين أمام الضريح المسجى فيه مؤسس الإتحاد السوفيتي الرفيق لينين والرفيق ستالين .. حتى وجدوا أنفسهم أمام ثلاث فتيات في مقتبل العمر تطفح على وجوههن الصحة والنضارة، .. فراح كل منهم يبحلق فيهن (كالأطرش بالزفة)، وهن في مرح يوجهن لهم الكلام ولم يفهموا منه أي شيئ! .. واخيراً التقط احدنا ماكن يرغبن في معرفته! .. فقال لهن باللغة الإنجليزية نحن طلبة بعثة من العرب لإكمال دراستنا العليا .. فازداد إعجابهن .. وبلغة الإشارة لزق كلاً واحد بواحدة (التصاقا وقحا)، ثم طلبن مرافقتهم للتسكع ومشاهدة أشهر مخزن في موسكو آنذاك الموسوم بـ (الكوم) القريب من شارع مكسيم غوركي .. وبلغة الإشارة تمكنوا من أن يدخلوا برفقتهن لأحد المطاعم في شارع غوركي المشهور بأكلاته الشرقية ، ونسجل هذا دليلا على الفردوس الموهوم الذي بناه أحفاد ماركس ولينين ، وما بنوا  سوى الخزي والعبث والفضائح والتسول ، وقلنا يا سبحان الله ، إنَّ ما نعتبره محرما في عالمنا العربي تسعى اليه هنا السيدات بأرجلهن ، مستغلاتٍ إغراءِ أجسادهن لكسب لقمة عيشٍ بأتفه الأساليب وأخسسها في مجتمع المشاعية الكبرى. وقد ذكرني كلام محدثي، د\جعفر بشعر تميم الفاطمي ( ت 374 هــ ):
خذها أَلذّ من التجمِيش والقُبَلِ= ودَعْ ملالَك إِن الدهــرَ ذو مَلَلِ     
كأن ضجّة صوتِ الطبلِ بينهما= لا باركَ الله في العُذّالِ والعَذَلِ      
وغُدوةٍ حَطّ فِيها اللهوُ أرْحُلَهُ= بِناعلى الراحِ والريحانِ والغَزل     
والنايُ يشْكُوإلى المثنَى صبابَتَه= شكْوَى المحبّ إلى المحبوبِ في مَهلِ
أما نحن – أمة عدنان وقحطان – فإنَّ قصص التجميش كثيرة في تاريخنا الادبي ذكرَ طرفاً منها الاصمعي في أدبياته وأبو نواس الشاعر العباسي المنسوب ظلما الى سيدنا هارون الرشيد وهو بريء من صحبته ومعرفته ، ولا تربطهما أي صلة على التحقيق ، وافترى مشعوذو  الأدب والرواية أحداثا ملفّقة نسبوها لهارون وأبي نواس عن الخلاعة والتجميش الوقح الذي لا يليق بالسوقة ، فما بالك بنسبته الى خليفة كان يحج عاما ويغزو عاما في سبيل الله ، بل أثر أنه حجَّ ماشـياً ...
وأنا العبد الفقير لي قرية صغيرة لا تزال بخيرها ولا يعكر صفوها وسلامها الاجتماعي الا بعض الحوادث الفردية ، منها حادثة جرت عام 1988 ، وسببها التجميش الجنسي الوقح ، قام به شاب غريب عن القرية يعمل حدادا، جَـمَّـش فتاة من عِـلْـية القوم ، وسمع أهلها ، وذبحوها دون أن يتأكدوا من الوقائع ، هكذا ذبحوها وكأنها نعجة على مذبح القبيلة، ولم يكن بينهم رجل رشيد كعادة الاحتكام العشائري الهمجي، وغسلوا العار بقتل فتاة بتول طاهرة ، بل هي أطهر من لحى وشوارب كثيرين، ينتخون بها معربين عن رجولتهم ! وصنعوا الطعام في ظهيرة شهر رمضان ابتهاجا، كما بلغني.
بل بلغت القـحـة أن الأب عاتبني لِـمَ  لمْ أزرْهُ !!! فقلت له يومهــا عبارة لا أزال أذكرها ويرددها كثيرون ممن سمعوها آنذاك مني: احترتُ كيف آتيك، بصفة المهنّئ أم بصفة المُعَـزّي! رحمها الله وألزم أهلها جادة الحق والتوبة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى